منتديات مملكه الأحلام
اهلااا وسهلاا بكي عزيزتي في منتديات مملكة الاحلام
اذا كنتي مشتركة فتفضلي بدخول
اما اذا كنتي زائرة فيسعدنا انضمامكي الى عائلتنا
مع حبنا
الادارة
منتديات مملكه الأحلام
اهلااا وسهلاا بكي عزيزتي في منتديات مملكة الاحلام
اذا كنتي مشتركة فتفضلي بدخول
اما اذا كنتي زائرة فيسعدنا انضمامكي الى عائلتنا
مع حبنا
الادارة
منتديات مملكه الأحلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا وسهلا بكم في منتديات مملكة الاحلام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصص وروايات.......

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ذوقي رومنسي...
اميرة جديدة
اميرة جديدة
ذوقي رومنسي...


عدد المساهمات : 28
تاريخ التسجيل : 29/01/2012
الموقع : ليس من المهم التعرف

قصص وروايات....... Empty
مُساهمةموضوع: قصص وروايات.......   قصص وروايات....... Emptyالإثنين يناير 30, 2012 6:56 pm

اَلْجَزَاء

مُتَرْجَمَة


جَلَسَتْ عَلَى ضَفَّة اَلْبُحَيْرَة لِتَمْلَأ جَرَّتهَا وَكَانَ اَلْمَاء سَاكِنًا هَادِئًا كَأَنَّمَا قَدْ
أمتدت فَوْق سَطْحه طَبَقَة لَامِعَة مِنْ اَلْجَلِيد فَعَزَّ عَلَيْهَا أَنْ تَكْسِر بِيَدِهَا هَذِهِ اَلْمِرْآة
اَلنَّاعِمَة الصقيلة وَلَا شَيْء أَحَبّ إِلَى اَلْمَرْأَة مِنْ اَلْمَرْأَة فَظَلَّتْ تَقْلِب نَظَرهَا فِيهَا
فَلَمَحَتْ فِي صَفْحَتهَا وَجْهًا أَبْيَض رَائِقًا يَنْظُر إِلَيْهَا نَظَرًا عَذْبًا فَاتِرًا فَابْتَسَمَتْ لَهُ
فَابْتَسَمَ لَهَا فَعَلِمَتْ أَنَّهُ اَلْوَجْه اَلَّذِي أَفْتِن بِهِ خَطِيبهَا لِقَرَوِيّ اَلْجَمِيل .
أَنِسَتْ بِهَذَا اَلْمَنْظَر سَاعَة ثُمَّ رَاعَهَا أَنْ رَأَتْ بِجَانِب خَيَالهَا فِي اَلْمَاء خَيَالًا آخَر
فَتَبَيَّنَتْهُ فَإِذَا بِهِ خَيَال رَجُل فَذُعِرَتْ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَلْتَفِت وَرَاءَهَا وَمَدَّتْ يَدهَا إِلَى
اَلْمَاء فَمَلَأَتْ جَرَّتهَا ثُمَّ نَهَضَتْ لِتَحَمُّلِهَا فَتَقَدَّمَ إِلَيْهَا ذَلِكَ اَلْوَاقِف بِجَانِيهَا وَقَالَ
لَهَا هَلْ تَأْذَنِينَ لِي يَا سَيِّدَتِي أَنْ أُعِينك عَلَى حَمْل جَرَّتك فَالْتَفَتَ فَإِذَا فَتِيّ حَضَرِيّ
غَرِيب حَسَن اَلصُّورَة وَالْبِزَّة لَا تُعَرِّفهُ وَلَا تَعْرِف أَنَّ هَذِهِ اَلْأَرْض مِمَّا تَنْبُت مِثْله
فَرَابَهَا أَمْره وَاتَّقَدَ وَجْههَا حَيَاء وَخَجَلًا وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا وَاسْتَلْقَتْ جَرَّتهَا وَمَضَتْ فِي
سَبِيلهَا .
نَشَأَتْ سُوزَان وَابْن عَمّهَا جلبرت فِي بَيْت وَاحِد كَمَا تَنْشَأ اَلزَّهْرَتَانِ اَلْمُتَعَانِقَتَانِ
فِي مغرس وَاحِد فَرَضَعَتْ مَعَهُ وَلِيدَة وَلَعِبَتْ مَعَهُ طِفْلَة وَأَحَبَّتْهُ فَتَاة وَمَرَّتْ بِهِمَا فِي
جَمِيع تِلْكَ اَلْأَدْوَار .
سَعَادَة لَمْ يَسْتَمِدّهَا مِنْ اَلْقُصُور وَالْبَسَاتِين وَالْأَرَائِك وَالْأُسْرَة وَالْحِيَاد
وَالْمُرَكَّبَات وَالْأَكْوَاب والدنان والمزاهر وَالْعِيدَانِ وَالذَّهَب اَللَّامِع وَاللُّؤْلُؤ
اَلسَّاطِع وَالْأَثْوَاب اَلْمُطَرَّزَة وَالْغَلَائِل اَلْمُرَصَّعَة لِأَنَّهُمَا كَانَا قريين فَقِيرَيْنِ بَلْ
اِسْتَمَدَّهَا مِنْ مَطْلَع اَلشَّمْس وَمَغْرِبهَا وَإِقْبَال اَللَّيْل وَإِدْبَاره وَتَلَأْلُؤ اَلسَّمَاء
بِنُجُومِهَا اَلزَّاهِرَة وَالْأَرْض بِأَعْشَابِهَا اَلنَّاضِرَة وَمِنْ اَلْوَقَفَات اَلطِّوَال فَوْق اَلصُّخُور
اَلْبَارِزَة عَلَى ضِفَاف اَلْبُحَيْرَة اَلْهَادِئَة وَالْجَلَسَات اَلْحُلْوَة اَلْجَمِيلَة عَلَى اَلْأَعْشَاب
اَلنَّاعِمَة تَحْت ظِلَال اَلْأَشْجَار الوارقة وَمِنْ سَمَاع أَنَاشِيد اَلْحَيَاة وَأَغَانِي اَلرُّعَاة
وَضَوْضَاء اَلسَّمَاء فِي غُدُوّهَا وَرَوَاحهَا وَبُكَاء اَلنَّوَاعِير فِي مَسَائِهَا وَصَبَاحهَا وَمِنْ
اَلْحُبّ اَلطَّاهِر اَلشَّرِيف اَلَّذِي يُشْرِق عَلَى اَلْقُلُوب اَلْحَزِينَة فَيُسْعِدهَا وَالْأَفْئِدَة
اَلْمُظْلِمَة فَيُنِيرهَا وَالْأَجْنِحَة اَلْكَسِيرَة فيريشها وَاَلَّذِي هُوَ اَلْعَزَاء اَلْوَحِيد عَنْ كُلّ
فَائِت فِي هَذِهِ اَلْحَيَاة وَالسَّلْوَى عَنْ كُلّ مَفْقُود وَلَمْ يَزَلْ هَذَا شَأْنهَا حَتَّى كَانَ يَوْم
اَلْبُحَيْرَة .
لَا تَعْرِف اَلْمَرْأَة لَهَا وُجُودًا إِلَّا فِي عُيُون اَلرِّجَال وَقَلَبُوهُمْ فَلَوْ خَلَتْ رُقْعَة
اَلْأَرْض مِنْ وُجُوه اَلنَّاظِرَيْنِ أَوْ أَقْفَرَتْ حَنَايَا اَلضُّلُوع مِنْ خوافق اَلْقُلُوب لِأُصْبِح
اَلْوُجُود وَالْعَدَم فِي نَظَرهَا سَوَاء وَلَوْ أَنَّ وَرَاءَهَا أَلْف عَيْن تَنْظُر إِلَيْهَا ثُمَّ لَمَحَتْ
فِي كَوْكَب مِنْ كَوَاكِب اَلسَّمَاء نَظْرَة حُبّ أَوْ سَمِعَتْ فِي زَاوِيَة مِنْ زَوَايَا اَلْأَرْض أَنَّة
وَجِدّ لِأَعْجَبِهَا ذَلِكَ اَلْغَرَام اَلْجَدِيد وَمَلَأَ قَبْلهَا غِبْطَة وَسُرُورًا .
فَقَدْ عَادَتْ اَلْفَتَاة إِلَى بَيْتهَا طَيِّبَة اَلنَّفْس قَرِيرَة اَلْعَيْن مَزْهُوَّة مُخْتَالَة لَا لِأَنَّ
حُبًّا جَدِيدًا حَلَّ فِي قَلْبهَا مَحَلّ اَلْحَبّ اَلْقَدِيم وَلَا لِأَنَّ نَفْسهَا حَدَّثْتهَا أَنْ تَصِل
حَيَاتهَا بِحَيَاة أَحَد غَيْر خَطِيبهَا بَلْ لِأَنَّهَا وَجَدَتْ فِي طَرِيقهَا بُرْهَانًا جَدِيدًا عَلَى
جَمَالهَا فَأَعْجَبَهَا فَكَانَتْ لَا تَزَال تَخْتَلِف بَعْد ذَلِكَ بِجَرَّتِهَا إِلَى اَلْبُحَيْرَة غَيْر
خَائِفَة وَلَا مُرْتَابَة فَتَرَى ذَلِكَ اَلسَّيِّد اَلْحَضَرِيّ فِي غُدُوّهَا أَوْ رَوَاحهَا يُحَيِّيهَا أَوْ
يَبْتَسِم إِلَيْهَا زَهْرَة جَمِيلَة أَوْ يُلْقِي فِي اذنها كَلِمَة عَذْبَة حَتَّى اِسْتَطَاعَ فِي يَوْم مِنْ
اَلْأَيَّام أَنْ يَجْلِس بِجَانِبِهَا لَحْظَة قَصِيرَة فِي ظِلّ صَخْرَة مُنْفَرِدَة فَكَانَتْ هَذِهِ اَللَّحْظَة
آخِر عَهْدهَا بِحَيَاتِهَا اَلْقَدِيمَة وَأَوَّل عُهَدهَا بِحَيَاتِهَا اَلْجَدِيدَة .
هَبَّطَ اَلْمَرْكَز جُوسْتَاف روستان هَذِهِ اَلْأَرْض مُنْذُ أَيَّام لِتَفَقُّد مَزَارِعه فِيهَا وَكَانَ لَا
يَزَال يَخْتَلِف إِلَيْهَا مِنْ حِين إِلَى حِين فَيَقْضِي فِي قَصْره اَلْجَمِيل اَلَّذِي بَنَاهُ فِيهَا
عَلَى بُعْد سَاعَتَيْنِ مِنْ اَلْبُحَيْرَة بِضْعَة أَيَّام ثُمَّ يَعُود إِلَى بَلْدَته نيس حَتَّى رَأَى هَذِهِ
اَلْمَرَّة هَذِهِ اَلْفَتَاة فِي بَعْض غدواته إِلَى ضِفَاف اَلْبُحَيْرَة فاستلهاه حُسْنهَا وَمَا زَالَ
بِهَا يَفِيض عَلَى قَلْبهَا مِنْ حُبّه وَعَلَى أُذُنهَا مِنْ سِحْره وَعَلَى جِيدهَا بِالْإِغْوَاءِ مِنْ
لَآلِئه وَجَوَاهِره وَيُصَوِّر لَهَا جَمَال اَلْحَيَاة اَلْحَضَرِيَّة فِي أَجْمَل صُوَرهَا وَأَبْهَاهَا
اَلْأَمَانِي اَلْكِبَار فِي حَاضِرهَا وَمُسْتَقْبَلهَا حَتَّى أَذْعَنَتْ واستقادت وَخَضَعَتْ لِلَّتِي تَخْضَع
لَهَا كُلّ أُنْثَى نَامَتْ عَنْهَا عَيْن رَاعِيهَا وَأُسَلِّمهَا حَظّهَا إِلَى أَنْيَاب اَلذِّئَاب .
اِسْتَيْقَظَ اَلْفَتِيّ جلبرت فِي اَلسَّاعَة اَلَّتِي يَسْتَيْقِظ فِيهَا مِنْ صَبَاح كُلّ يَوْم فَعَمَدَ إِلَى
بَقَرَته فَحَلَّ عِقَالهَا ثُمَّ هَتَفَ بِاسْم سُوزَان يَدْعُوهَا إِلَى اَلذَّهَاب مَعَهُ إِلَى اَلْمَرْعَى
فَلَمْ تَجُبّهُ فَصَعِدَ إِلَى غُرْفَتهَا فِي سَطْح اَلْمَنْزِل لِيُوقِظهَا فَلَمْ يَجِدهَا فَسَأَلَ عَنْهَا أُمّه
فَلَمْ تَعْلَم مَنْ أَمْرهَا أَكْثَر مِمَّا يَعْلَم فَظَنَّ أَنَّهَا خَرَجَتْ لِقَضَاء بَعْض اَلشُّؤُون ثُمَّ تَعُود
فَلَبِثَ يَنْتَظِرهَا وَقْتًا طَوِيلًا فَلَمْ تَعُدْ فَرَابَهُ اَلْأَمْر وَأَعَادَ اَلْبَقَرَة إِلَى معتلفها
وَخَرَجَ يُفَتِّش عَنْهَا فِي كُلّ مَكَان وَيُسَائِل عَنْهَا اَلنَّاس جَمِيعًا غاديهم ورائحهم فِلْمَ يجَدّ مَنْ يَدُلّهُ عَلَيْهَا حَتَّى أَظَلَّهُ اَللَّيْل فَعَادَ حرينا مُكْتَئِبًا لَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا عَلَى
وَجْه اَلْأَرْض أَعْظَم لَوْعَة مِنْهُ وَلَا أَشْقَى أُمّه قَابِعَة فِي كَسْر اَلْبَيْت مِطْرَقَة بِرَأْسِهَا
تفلي اَلتُّرَاب بِعُود فِي يَدهَا فَدَنَا مِنْهَا فَرَفَعَتْ رَأْسهَا إِلَيْهِ وَقَالَتْ لَهُ أَيْنَ كُنْت
يَا جلبرت ? قَالَ فَتَّشْت عَنْ سُوزَان فِي كُلّ مَكَان فَلَمْ أَجِدهَا فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ نَظْرَة
مَمْلُوءَة حُزْنًا وَدُمُوعًا وَقَالَتْ خَيْر لَك يَا بَنِي أَلَّا تَنْتَظِرهَا بَعْد اَلْيَوْم فَانْتَفَضَ
اِنْتِفَاضَة شَدِيدَة وَقَالَ لِمَاذَا قَالَتْ قَدْ دَخَلَتْ عَلَى اَلسَّاعَة جَارَتنَا فُلَانَة فَحَدَّثَتْنِي
أَنَّهَا مَا زَالَتْ تَرَاهَا مُنْذُ لَيَالِي تَخْتَلِف إِلَى اَلْبُحَيْرَة لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى ضِفَافهَا
بِفَتِيّ حَضَرِيّ غَرِيب عَنْ هَذِهِ اَلْمُدِرَّة أَحْسَبهُ اَلْمَرْكَز جُوسْتَاف صَاحِب هَذِهِ اَلْمَزَارِع اَلَّتِي
تَلِينَا وَالْقَصّ اَلْأَحْمَر اَلَّذِي يَلِيهَا وَقَالَتْ لِي إِنَّهَا رَأَتْهَا لَيْلَة أَمْس بَعْد مُنْتَصَف
اَللَّيْل رَاكِبَة وَرَاءَهُ عَلَى فَرَس أَشْهَب يَعْدُو بِهَا فِي طَرِيق اَلْقَصْر اَلْأَحْمَر وَلَا بُدّ
أَنَّهَا فَرَّتْ مَعَهُ فَصَرَخَ جلبرت صَرْخَة جَادَتْ لَهَا نَفْسه أَوْ كَادَتْ وَخِدْر فِي مَكَانه صَعِقَا
فَلَمْ تَزَلْ أُمّه جَاثِيَة بِجَانِبِهِ اَللَّيْل كُلّه تَبْكِي عَلَيْهِ مَرَّة وَتَمْسَح جَبِينه بِالْمَاءِ
أُخْرَى حَتَّى استفاق فِي مَطْلَع اَلْفَجْر فَنَظَرَ حَوْله نَظْرَة حَائِرَة فَرَأَى أُمّه مكبة عَلَى
وَجْههَا تَبْكِي فَذَكَرَ كُلّ ذَلِكَ فَأَطْرُق هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه وَوَضْع يَده عَلَى عَاتِقهَا
وَسَأَلَهَا مَا بُكَاؤُك يَا أُمَّاه ?
قَالَتْ أَبْكِي عَلَيْك يَا بَنِي وَعَلَيْهَا قَالَ إِنْ كُنْت بَاكِيَة قَبْلك عَلَى غَيْرِي أَمَّا أَنَا
فَلَسْت بِحَزِين وَلَا بَاكٍ فَقَدْ كُنْت أَحْبَبْت هَذِهِ اَلْفَتَاة لِأَنَّهَا كَانَتْ تُحِبّنِي وَقَدْ
اِسْتَحَالَ قَلْبِي اَلْآن إِلَى اَلصَّخْرَة عَاتِيَة لَا يَنَال مِنْهَا شَيْء فَلَا رَجْعَة لِي إِلَيْهَا
بَعْد اَلْيَوْم ثُمَّ مَسَحَ عَنْ خَدّه آخَر دَمْعَة كَانَتْ تَنْحَدِر فِيهِ وَقَامَ إِلَى بَقَرَته فَأَخَذَ
بِزِمَامِهَا وَمَضَى بِهَا إِلَى اَلْمَزْرَعَة وَحْده .
لَقَدْ كَذَّبَتْ اَلْمِسْكِين نَفْسه فَإِنَّهُ مَا سَلَّا سُوزَان وَلَا هَدَأَتْ عَنْ قَلْبه لَوْعَة حُبّهَا
وَلَكِنَّهَا الغضبة اَلَّتِي يُغْضِبهَا اَلْمُحِبّ اَلْمَهْجُور تُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ نَفَضَ يَده مِنْ
اَلْمُحِبّ أَشَدّ مَا يَكُون بِهِ عَالِقًا فَإِنَّهُ مَا وَصَلَ إِلَى اَلْمَزْرَعَة وَأَرْسَلَ سائمته فِي
مَرْعَاهَا حَتَّى رَأَى كَوْكَب اَلشَّمْس يتناهض مِنْ مَطْلَعه قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُرْسِل أَشِعَّته
اَلْيَاقُوتِيَّة اَلْحَمْرَاء عَلَى هَذِهِ اَلْكَائِنَات فَتُنِير ظَلَامهَا وَتَجْلُو صَفْحَتهَا وَتَتَرَقْرَق
مَا بَيْن خضرائها وغبرائها فَأَعْجَبَهُ مَنْظَر هَذِهِ اَلطَّبِيعَة اَلْمُتَلَأْلِئَة بَيْن يَدَيْ هَذَا
اَلْكَوْكَب اَلْمُنِير وَدَار بِنَظَرِهِ فِي اَلْفَضَاء مِنْ مُشْرِقَة إِلَى مغربة فَلَمَّحَ فِي اَلْأُفُق
اَلْغَرْبِيّ بارقا يَخْطِف اَلْبَصَر بِلَآلِئِهِ فَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ اَلْمَغْرِب قَدْ أَطْلَعَ فِي أَفْقَه
شَمْسًا كَتِلْكَ اَلَّتِي اطلعها اَلْمَشْرِق حَتَّى تُبَيِّنهُ فَإِذَا هُوَ لَوَّحَ كَبِير مِنْ اَلزُّجَاج أَصْفَر
مُسْتَدِير تعابثه أَشِعَّة اَلشَّمْس فِيمَا تعابث مِنْ اَلْكَائِنَات فالتمع التماعا شَدِيدًا
فَاسْتَرَدَّ بَصَره إِلَيْهِ سَرِيعًا وَوَضْع يَده عَلَى يُسْرَى أَضْلُعه كَأَنَّمَا يَحُول بَيْن قَلْبه
وَبَيْن اَلْفِرَار لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ اَللَّوْح اَلزُّجَاجِيّ اَلْأَصْفَر إِنَّمَا يُلَوِّح فِي بُرْج مِنْ
أَبْرَاج اَلْقَصْر اَلْأَحْمَر .
هُنَا عَلِمَ أَنَّ نَفْسه قَدْ كَذَّبَتْهُ فِيمَا حَدَّثَتْهُ وَأَنَّ تِلْكَ اَلْبَارِقَة .
اَلَّتِي كَانَتْ تُضِيء مَا بَيْن جَنْبَيْهِ مِنْ اَلْحُبّ قَدْ اِسْتَحَالَتْ إِلَى جَذْوَة نَار مُشْتَعِلَة
تَقْضِم فُؤَاده قَضْمًا وَتَمْشِي فِي نَفْسه مَشْي اَلْمَوْت فِي اَلْحَيَاة فَأَطْلَقَ لِعِبْرَتِهِ سَبِيلهَا
وَأَنْشَأَ بَيْن أَنِينًا يَئِنّ مُحْزِنًا تَرَدُّده اَلرِّيَاح فِي جَوّهَا وَالْأَمْوَاج فِي بَحْرهَا
وَالْأَعْشَاب فِي مغارسها والسائمة فِي مَرَابِضهَا حَتَّى سَمْع أَصْوَات اَلرُّعَاة وَضَوْضَاء
السائمة فَكَفْكَفَ عَبَرَاته وَأَسْلَمَ رَأْسه إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَذَهَب مَعَ هُمُومه وَأَحْزَانه إِلَى
حَيْثُ شَاءَ اَللَّه أَنْ تَذْهَب .
هَكَذَا لَمْ يَنْتَفِع اَلْمِسْكِين بِنَفْسِهِ بَعْد اَلْيَوْم فَقَدْ ذَهَبَ مِنْ اَلْحُزْن إِلَى أَبْعَد مَذَاهِبه
حَتَّى نَالَ مِنْهُ مَا لَمْ يَنَلْ كَرّ اَلْغَدَاة وَمَرَّ اَلْعَشِيّ فَأَصْبَحَ مَنْ يَرَاهُ فِي طَرِيقه يَرَى
رَجُلًا يَائِسًا مَنْكُوبًا مُشَرَّد اَلْعَقْل مُشْتَرِك اَللُّبّ مذهوبا بِهِ كُلّ مَذْهَب يَهِيم عَلَى
وَجْهه آنَاء اَللَّيْل وَأَطْرَاف اَلنَّهَار بَيْن اَلْغَابَات والحرجات وَفَوْق ضِفَاف اَلْأَنْهَار
وَتَحْت مَشَارِف اَلْجِبَال يَأْنَس بِالْحَوْشِ أَنَس العشير بعشيره وَيَفِرّ مِنْ اَلنَّاس إِنَّ دُنُوًّا
مِنْهُ فِرَار اَلْإِنْسَان مِنْ اَلْوَحْش وَيَرُدّ اَلْمَنَاهِل مَعَ اَلظِّبَاء واليعافير ثُمَّ يُصَدِّر إِذَا
صَدَّرَتْ مَعَهَا وَرُبَّمَا تَرَامَى بِهِ اَلسَّيْر أَحْيَانًا إِلَى أفنية اَلْقَصْر اَلْأَحْمَر مِنْ حَيْثُ لَا
يَشْعُر فَإِذَا رَأَى أبراحه بَيْن يَدَيْهِ ذُعِرَ ذُعْرًا شَدِيدًا وَصَاحَ صَيْحَة عَظِيمَة وانكفا
رَاجِعًا إِلَى قِرْبَته لَا يَلْوِي عَلَى شَيْء وَكَثِيرًا مَا قَضَتْ أُمّه اَلنَّهَار كُلّه حَامِلَة
عَلَى يَدهَا اَلطَّعَام تُفَتِّش عَنْهُ فِي كُلّ مَكَان حَتَّى تَرَاهُ مُلْقَى بَيْن اَلْأَحْجَار عَلَى ضَفَّة
نَهْر أَوْ فِي سَفْح جَبَل فَتَضَع اَلطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر بِمَكَانِهَا ثُمَّ تَرْفَع
يَدَيْهَا إِلَى اَلسَّمَاء ضارعة متخشعة تَسْأَل اَللَّه بِدُمُوعِهَا وَزَفَرَاتهَا أَنْ يَرُدّ إِلَيْهَا
وَحَيَّدَهَا ثُمَّ تَعُود أَدْرَاجهَا .
مَضَى اَللَّيْل إِلَّا أُقِلّهُ وَسُوزَان جَالِسَة إِلَى نَافِذَة قَصْرهَا اَلْمُشْرِفَة عَلَى اَلنَّهْر
تَلْتَفِت إِلَى سَرِير اِبْنَتهَا مَرَّة وَتَقَلَّبَ وَجْههَا فِي اَلسَّمَاء أُخْرَى وَكَانَ اَلْقَمَر فِي
لَيْلَة تمه فَظَلَّتْ تُنَاجِيه وَتَقُول :
أَيُّهَا اَلْقَمَر اَلسَّارِي فِي كَبِد اَلسَّمَاء هَا أنا ذا فِي لَيْلَة تمك وَحْدِي لِلْمَرَّةِ
اَلرَّابِعَة وَالْعِشْرِينَ فَهَلْ يَعُود إِلَى خَطِيبِي جُوسْتَاف فَيَنْظُر إِلَيْك مَعِي كَمَا كَانَ يَفْعَل
مِنْ قَبْل .
لَقَدْ كُنْت لِي أَيُّهَا اَلْكَوْكَب اَلْمُنِير نِعَم اَلْمُعَيَّن فِي لَيَالِي اَلْمُوحِشَة عَلَى هُمُومِي
وَأَحْزَانِي فَهَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُحَدِّثنِي عَنْ جُوسْتَاف أَيْنَ مَكَانه وَمَتَى يَعُود وَهَلْ نَلْتَقِي
قَرِيبًا فَيَتِمّ بِذَلِكَ يَدك عِنْدِي ?
حَدَّثَنِي عَنْهُ . . هَلْ يُذَكِّرنِي كَمَا أَذْكُرهُ وَهَلْ يَحْفَظ عَهْدِي كَمَا أَحْفَظ عَهْده ? وَهَلْ
يَجْلِس إِلَيْك حِينًا فَيَسْأَلك عَنِّي كَمَا أَسْأَلك عَنْهُ ? فَإِنَّ فِعْل فَقُلْ لَهُ إِنَّ اِبْنَته
جَمِيلَة جِدًّا جِمَال اَلِابْتِسَامَة اَلْحَائِرَة فِي فَم اَلْحَسْنَاء وَبَيْضَاء بَيَاض اَلْقَطْرَة
اَلصَّافِيَة فِي اَلزَّنْبَقَة اَلنَّاصِعَة تَحْت اَلْأَشِعَّة اَلسَّاطِعَة وَقُلْ لَهُ إِنَّهَا لَا تَهْتِف بِاسْم
غَيْر اِسْمه وَلَا تَبْتَسِم لِرَسْم غَيْر رَسْمه وَإِنَّهُ إِنْ رَآهَا أَغْنَتْهُ رُؤْيَتهَا عَنْ اَلْمِرْآة
اَلْمَجْلُوَّة لِأَنَّهُ يَرَى صُورَته فِي وَجْههَا كَمَا تَتَشَابَه اَلدُّمْيَتَانِ اَلْمُصَوِّبَتَانِ فِي قَالَب
وَاحِد .
وَلَمْ تَزَلْ تُنَاجِي اَلْقَمَر بِمِثْل هَذَا النجاء حَتَّى رَأَتْهُ يَنْحَدِر إِلَى مَغْرِبه فَوَدَّعَتْهُ
وَدَاعًا جَمِيلًا وَقَالَتْ إِلَى اَلْغَد يَا صَدِيقِي اَلْعَزِيز . . .
ثُمَّ قَامَتْ إِلَى سَرِير اِبْنَتهَا فَحَنَّتْ عَلَيْهَا بِرِفْق وَقَبِلَتْهَا فِي جَبِينهَا قُبْلَة اَلْمَسَاء
وَذَهَبَتْ إِلَى مَضْجَعهَا وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ عَبِثَتْ بِجَفْنِهَا اَلسَّنَة اَلْأُولَى مِنْ اَلنَّوْم حَتَّى
أسلمتها أَحْلَامهَا إِلَى أَمَانِيهَا وَآمَالهَا فَرَأَتْ كَأَنَّ جُوسْتَاف قَدْ عَادَ مَنْ سِفْره
فَاسْتَقْبَلَتْهُ هِيَ وَابْنَتهَا عَلَى بَاب اَلْقَصْر فَنَزَلَ مِنْ مَرْكَبَته وَضَمَّهُمَا مَعًا إِلَى صَدْره
ضَمًّا شَدِيدًا وَظَلَّ يَقْبَلهُمَا وَيَبْكِي فَرَحًا وَسُرُورًا .
فَإِنَّهَا بِالْإِغْوَاءِ فِي حَمْلهَا هَذَا إِذْ شَعَرَتْ بِيَد تَحَرُّكهَا فَانْتَبَهَتْ فَإِذَا صَدَرَ اَلنَّهَار
قَدْ عَلَا وَإِذَا خَادِمَتهَا وَاقِفَة عَلَى رَأْسهَا ضَاحِكَة متطلقة تَقُول لَهَا بِشِرَاك يَا
سَيِّدَتِي فَقَدْ حَضَرَ سَيِّدِي فاستطيرت فَرَحًا وَسُرُورًا وَقَالَتْ أَحْمَدك اَللَّهُمَّ فَقْد صَدَقَتْ
أَحْلَامِي وَأَسْرَعَتْ إِلَى غُرْفَة مَلَابِسهَا فَبَدَّلَتْ أَثْوَابهَا ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي غُرْفَته
بَاسِمَة مُتَهَلِّلَة تَحْمِل اِبْنَتهَا عَلَى يَدهَا فَرَأَتْهُ وَاقِفًا فِي وَسَط اَلْغُرْفَة مُتَّكِئًا عَلَى
كُرْسِيّ بَيْن يَدَيْهِ فَهَرِعَتْ إِلَيْهِ وَلَكِنَّهَا مَا دَنَتْ مِنْهُ حَتَّى تَرَاجَعَتْ جَائِرَة مدهوشة
لِأَنَّهَا رَأَتْ أَمَامهَا رَجُلًا لَا تَعَرُّفه وَلَا عَهْد لَهَا بِهِ مِنْ قَبْل لَا بَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ
وَلَكِنَّهَا رَأَتْ وَجْهًا صَامِتًا مُتَحَجِّرًا لَا تَلْمَع فِيهِ بَارِقَة اِبْتِسَام وَلَا تَجْرِي فِيهِ
نَظْرَة بِشَاشَة فَأَنْكَرَتْهُ إِلَّا أَنَّهَا تَمَاسَكَتْ قَلِيلًا وَمَدَّتْ إِلَيْهِ يَدهَا تُحْيِيه فَمَدَّ
إِلَيْهَا يَده بِتَثَاقُل وَفُتُور كَأَنَّمَا يَنْقُلهَا مِنْ مَكَانهَا نَقْلًا وَلَمْ يَلِقْ عَلَى وَجْه
اَلطِّفْلَة وَكَانَتْ تَبْتَسِم إِلَيْهِ وَتَمُدّ نَحْوه ذِرَاعَيْهَا نَظْرَة وَاحِدَة وَكَانَتْ أَوَّل كَلِمَة
قَالَهَا لَهَا أباقية أَنْتِ فِي اَلْقَصْر حَتَّى اَلْيَوْم فَازْدَادَتْ دَهْشَة وَحَيْرَة وَلَمْ تُفْهِم
مَاذَا يُرِيد وَقَالَتْ لَهُ وَأَيْنَ كُنْت تُرِيد أَنْ تَرَانِي يَا سَيِّدِي قَالَ فِي هَذَا اَلْقَصْر كَمَا
تَرَكَتْك وَلَكِنِّي أَظُنّ أَنَّك لَا تَسْتَطِيعِينَ اَلْبَقَاء فِيهِ بَعْد اَلْيَوْم قَالَتْ :
لِمَاذَا قَالَ لِأَنَّ زَوْجَتِي قَادِمَة إِلَيْهِ اَلْيَوْم رُبَّمَا كَانَتْ لَا تُحِبّ أَنْ تَرَى فِيهِ مَنْ
يُزْعِجهُ وُجُودهَا .
هُنَالِكَ شَعَرَتْ أَنَّ جَمِيع مَا كَانَ يَنْبَعِث فِي عُرُوقهَا مِنْ اَلدَّم قَدْ تَرَاجَعَ كُلّه دُفْعَة
وَاحِدَة إِلَى قَلْبهَا فَأَصْبَحَ وَحْده اَلْوَاجِب اَلْخَفَّاق مِنْ دُون أَغْصَانهَا وَأَوْصَالهَا
جَمِيعًا وَلَكِنَّ اَلْمُصِيبَة إِذَا عَظُمَتْ خَلَتْ عَنْ اَلْبُكَاء وَالْأَنِين فَلَمْ تَصِحّ وَلَمْ تَضْطَرِب
بَلْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ نَظْرَة طَوِيلَة هَادِئَة ثُمَّ اِلْتَفَتَتْ إِلَى اِبْنَتهَا وَقَالَتْ لَهُ وَمَا تَرَى فِي
اِبْنَتك هَذِهِ ? قَالَ لَيْسَ لِي اِبْنَة أَيَّتُهَا اَلسَّيِّدَة وَلَا وَلَد لِي لِأَنِّي لَمْ أَتَزَوَّج إِلَّا
مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام فَخْذَيْ اِبْنَتك مَعَك وَعَيْشِي مَعَهَا حَيْثُ تَشَائِينَ وَقَدْ تَرَكَتْ لَك هَذَا
اَلْكِيس عَلَى اَلْمِنْضَدَة فَخُذِيهِ وَاسْتَعِينِي بِهِ عَلَى عَيْشك وَتَرْكهَا وَمَضَى .
لَمْ تُلْقِ عَلَى اَلْمِنْضَدَة نَظْرَة وَاحِدَة وَمَشَتْ تَتَحَامَل عَلَى نَفْسهَا حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى
غُرْفَتهَا وَهُنَالِكَ اِنْفَجَرَتْ بَاكِيَة وَقَالَتْ وا سوأتاه إِنَّهُ يُعْطِنِي ثَمَن عَرَضِيّ وَسَقَطَتْ
مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَلَمْ تستفق حَتَّى أَظَلَّهَا اَللَّيْل فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا فَإِذَا اِبْنَتهَا تَبْكِي
بَيْن ذِرَاعَيْ اَلْخَادِمَة وَإِذَا اَلْخَادِمَة تَبْكِي لِبُكَائِهَا فَضَمَّتْهَا إِلَى صَدْرهَا سَاعَة ثُمَّ
قَامَتْ إِلَى غُرْفَة مَلَابِسهَا وَأَخَذَتْ تُفَتِّش عَنْ أَثْوَابهَا القروية اَلَّتِي دَخَلَتْ بِهَا هَذَا
اَلْقَصْر مُنْذُ ثَلَاثَة أَعْوَام وَكَانَتْ تُخْفِيهَا عَنْ أَعْيُن اَلنَّاس حَيَاء وَخَجَلًا فَخَلَعَتْ
أَثْوَابهَا وَلَبِسَتْهَا وَلَمْ تُبْقَ فِي مِعْصَمَيْهَا وَلَا فِي جِيدهَا لُؤْلُؤَة وَلَا مَاسَة إِلَّا
أَلْقَتْ بِهَا تَحْت قَدَمَيْهَا وَاحْتَمَلَتْ طِفْلَتهَا وَخَرَجَتْ تَحْت سِتَار اَللَّيْل تَتَرَنَّح فِي
مِشْيَتهَا كَأَنَّمَا تَمَشَّى عَلَى رملة ميثاء .
وَمَا جَاوَزَتْ عِتبَة اَلْبَاب وَوَصَلَتْ إِلَى اَلْمَوْضِع اَلَّذِي كَانَتْ وَاقِفَة فِيهِ فِي حَمْلهَا هِيَ
وَابْنَتهَا مُنْذُ سَاعَات تَنْظُر خَطِيبهَا حَتَّى لَمَّحَتْ عَلَى اَلْبُعْد مَرْكَبَة فَخْمَة مُقْبِلَة عَلَى
اَلْقَصْر تَحْمِل المركيز وَاِمْرَأَة بِجَانِبِهِ فَأَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا وَتَسَلَّلَتْ تَحْت جِدَار اَلْقَصْر
وَمَضَتْ فِي سَبِيلهَا .
لَا يَعْلَم إِلَّا اَللَّه مَا كَانَتْ تَحْمِل هَذِهِ اَلْفَتَاة اَلْمِسْكِينَة بَيْن جَنْبَيْهَا فِي تِلْكَ
اَلسَّاعَة مِنْ هُمُوم وَأَحْزَان فَقَدْ خَرَجَتْ مَطْرُودَة مِنْ اَلْقَصْر اَلَّتِي كَانَتْ تَظُنّ مُنْذُ سَاعَات
أَنَّهَا صَاحِبَته وَتَوَلَّى طَرْدهَا مَنْ كَانَتْ تَزْعُم فِي نَفْسهَا أَنَّهَا أَحَبّ اَلنَّاس إِلَيْهِ
وَآثَرَهُمْ عِنْده وَاسْتَحَالَتْ فِي سَاعَة وَاحِدَة مِنْ فَتَاة شَرِيفَة ذَات خَطِيب شَرِيف إِلَى
اِمْرَأَة عَاهِرَة ذَات وَلَد مُرِيب وَأَصْبَحَ مُسْتَحِيلًا عَلَيْهَا أَنْ تَعُود إِلَى بَيْتهَا اَلْقَدِيم
بِعَارِهَا فَتَرَى وَجْه ذينك اَلشَّخْصَيْنِ اَللَّذَيْنِ أَحْسَنَا إِلَيْهَا كَثِيرًا وَأَحَبَّاهَا حُبًّا
جَمًّا فَأَسَاءَتْ إِلَيْهِمَا وَغَدَرَتْ بِهِمَا فَقَدْ سَدَّتْ دُونهَا اَلسُّبُل وَأَظْلَم مَا بَيْنهَا وَبَيْن
اَلْعَالَم بِأَجْمَعِهِ فَمَا مِنْ رَحْمَة لَهَا فِي اَلْأَرْض وَلَا فِي اَلسَّمَاء .
ذَلِكَ مَا كَانَتْ تُحَدِّث نَفْسهَا بِهِ وَهِيَ سَائِرَة تَحْت سُوَار اَلْقَصْر سَيْر الذاهل اَلْمَشْدُوه
وَلَا تَعَرُّف لَهَا مُذَهَّبًا وَلَا مُضْطَرِبًا حَتَّى رَأَتْ رَأْس اِبْنَتهَا يَمِيل بِهِ الكرى فَمَشَتْ
إِلَى رَبْوَة عَالِيَة عَلَى ضَفَّة اَلنَّهْر اَلْجَارِي عَلَى مَقْرُبَة مِنْ اَلْقَصْر فأضجعتها فَوْق
عُشْبهَا وَأَسْبَلَتْ عَلَيْهَا رِدَاءَهَا وَجَلَسَتْ بِجَانِبِهَا تُفَكِّر فِي مَصِيرهَا .
فَإِنَّهَا اَلْجَالِسَة مَجْلِسهَا وَهَذَا وَقَدْ سَكَنَ اَللَّيْل وَسَكَن كُلّ شَيْء فِيهِ إِلَّا ضَوْء اَلْقَمَر
اَلْمُنْبَعِث فِي أَجْوَاز اَلْفَضَاء وَنَسَمَات اَلْهَوَاء اَلْمُتَرَقْرِقَة عَلَى صَفَحَات اَلْمَاء إِذْ
شَعَرَتْ كَأَنَّهَا تَسْمَع بِالْقُرْبِ مِنْهَا هُتَافًا يَهْتِف بِاسْمِهَا مُمْتَدّ بَيْن صَخْرَتَيْنِ عَلَى ضَفَّة
اَلنَّهْر كَأَنَّهُ إِنْسَان نَائِم فَارْتَاعَتْ وَفَزِعَتْ ثُمَّ سَمِعَتْ اَلصَّوْت يَتَكَرَّر بِنَغْمَة وَاحِدَة
فَأَهَمّهَا اَلْأَمْر وَنَهَضَتْ مِنْ مَكَانهَا وَأَخَذَتْ تَدْنُو مِنْ اَلشَّيْخ رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى
دَانَته فَإِذَا هُوَ إِنْسَان فِي زِيّ اَلْمَسَاكِين مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْره شَاخِص بِبَصَرِهِ إِلَى جِدَار
اَلْقَصْر فَذَهَبَتْ بِنَظَرِهَا فَإِذَا عَيَّنَهُ عَالِقَة بِنَافِذَة غُرْفَتهَا اَلَّتِي كَانَتْ تَجْلِس إِلَيْهَا
كُلّ لَيْلَة فَعَجِبَتْ لِذَلِكَ كُلّ اَلْعَجَب وَخَفَقَ قَلْبهَا خَفْقًا مُتَدَارِكًا وَرَأَتْهُ يَضُمّ إِلَى
صَدْره هنة بَيْضَاء أَشْبَه بِالرُّقْعَةِ ضَمًّا شَدِيدًا فَأَكْبِت عَلَيْهِ لِتَتَبَيَّنهُ وَتَرَى مَا يَضُمّ
إِلَى صَدْره فَإِذَا اَلرُّقْعَة رَسَمَهَا وَإِذَا هُوَ جلبرت يَجُود بِنَفْسِهِ وَيُرَدِّد بِصَوْت خَافِت
مُتَغَلْغِل كَأَنَّهُ أَصْوَات اَلْمُعَذَّبِينَ فِي أَعْمَاق اَلْقُبُور الوادع يَا سُوزَان اَلْوَدَاع يَا
سُوزَان فَفَهِمَتْ كُلّ شَيْء فَصَرَخَتْ صَرْخَة عُظْمَى دَوَّى بِهَا اَلْفَضَاء وَقَالَتْ :
آه لَقَدْ قَتَلَتْك يَا اِبْن عَمِّي ثُمَّ سَقَطَتْ عَلَى يَده تَقْبَلهَا وَتُبَلِّلهَا بِدُمُوعِهَا وَتَقُول
هَا أنذا يَا جلبرت جَاثِيَة تَحْت قَدَمَيْك فَارْحَمْنِي وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَدْ أَصْبَحَتْ اِمْرَأَة
بَائِسَة شَقِيَّة لَيْسَ عَلَى وَجْه اَلْأَرْض مَنْ هُوَ أَحَقّ بِالرَّحْمَةِ مِنِّي وَكَأَنَّمَا أَحَسَّ بِنَغْمَة
صَوْتهَا فَارْتَعَدَ قَلِيلًا ثُمَّ مَالَ بِنَظَرِهِ نَحْوهَا حَتَّى رَآهَا فَسَقَطَتْ مِنْ جَفْنه دَمْعَة حَارَّة
عَلَى يَدهَا كَانَتْ آخِر عَهْده بِالْحَيَاةِ وَقَضَى .
وَلِمَا دَنَا مِنِّي اَلسِّيَاق تَعَرَّضَتْ
إِلَى وَدُونِي مِنْ تَعَرُّضهَا شَغَلَ
أَتَتْ وَحِيَاض اَلْمَوْت بَيْنِي وَبَيْنهَا
وَجَادَتْ بِوَصْل حِين لَا يَنْفَع اَلْوَصْل
جَثَتْ سُوزَان بِجَانِب جُثَّة جلبرت سَاعَة قَضَتْ فِيهَا مَا يَجِب عَلَيْهَا لِابْن عَمّهَا وَخَطِيبهَا
وعشيرها اَلَّذِي أُحِبّهَا حُبًّا لَمْ يُحِبّهُ أَحَد مِنْ قَبْله أَحَدًا حَتَّى مَاتَ حَسْرَة عَلَيْهَا
ثُمَّ استفاقت فَذَكَرَتْ اِبْنَتهَا وَأَنَّهَا تَرَكَتْهَا عَلَى تِلْكَ اَلرَّبْوَة نَائِمَة وَحْدهَا فَعَادَتْ
إِلَيْهَا مُسْرِعَة وَقَدْ قَرَّرَتْ فِي نَفْسهَا أَمْرًا . .
لَا أَعْرِف أَحَدًا مِنْ اَلنَّاس أُوصِيه بِك يَا بُنِيَ لِأَنَّ أَبَاك بِالْإِغْوَاءِ وَلِأَنَّ اَلرَّجُل
اَلْوَحِيد اَلَّذِي كَانَ يُحِبّنِي فِي هَذَا اَلْعَالِم ذَهَب لِسَبِيلِهِ وَلَكِنِّي أَعْلَم أَنَّ لِهَذَا
اَلْكَوْن إِلَهًا رَحِيمًا يَعْلَم دَخَائِل اَلْقُلُوب وَسَرَائِر اَلنُّفُوس وَيَرَى لَوْعَة اَلْحُزْن فِي
أَفْئِدَة اَلْمَحْزُونِينَ ولاعج اَلشَّقَاء بَيْن جَوَانِح اَلْأَشْقِيَاء فَأَنَا أَكِلّ أَمْرك إِلَيْهِ
وَأَتْرُكك بَيْن يَدَيْهِ فَهُوَ أَرْحَم بِك مِنْ جَمِيع اَلرُّحَمَاء لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَعِيش لَك يَا
بُنِّيَّتِي فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ اَلنَّاس لَا يُغْتَفَر لِي اَلذَّنْب اَلَّذِي أذنبته حَتَّى اَلَّذِي أَغْرَانِي
بِهِ وَشَارَكَنِي فِيهِ فَأَنَا ذَاهِبَة إِلَى ذَلِكَ اَلْعَالَم اَلْعُلْوِيّ اَلْمَمْلُوء عَدْلًا وَرَحْمَة
لَعَلِّي أَجِد فِيهِ مَنْ يَغْفِر لِي ذَنْبِي إِنْ كُنْت بَرِيئَة وَيَرْحَمنِي إِنْ كُنْت مُذْنِبَة .
لَا أُحِبّ ان تَكُون حَيَاتِي يَا بِنْيَة شُؤْمًا عَلَى حَيَاتك وَلَا أَنْ يَأْخُذك اَلنَّاس بِذَنْبِي
كُلَّمَا رَأَوْك بِجَانِبِي فَأَنَا اتركك وَحْدك فِي هَذَا اَلْمَكَان لَعَلَّ رَاحِمًا مِنْ اَلنَّاس يَمُرّ
بِك فَيَعْطِف عَلَيْك وَيَضُمّك إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَم شَيْئًا مِنْ أَمْرك فَتَعِيشِينَ فِي بَيْته
سَعِيدَة هَانِئَة لَا تَعْرِفِينَ أَبَاك فَيُخْجِلك مَرْآهُ وَلَا أُمّك فَتُؤْلِمك ذِكْرَاهَا .
اَللَّهُمَّ إِنْ كُنْت تَعْلَم أَنَّ هَذِهِ اَلطِّفْلَة ضَعِيفَة عَاجِزَة تَحْتَاج إِلَى مَنْ يَرْحَمهَا وَيَكْفُل
أَمْرهَا وَأَنَّنِي قَدْ أَصْبَحَتْ عَاجِزَة عَنْ اَلْبَقَاء بِجَانِبِهَا أَرْعَاهَا وَأَحْنُو عَلَيْهَا وَأَنَّهَا
بَرِيئَة طَاهِرَة لَا يَد لَهَا فِي اَلَّذِي أذنبه أَبُوهَا فَارْحَمْهَا وَأَسْبَلَ عَلَيْهَا سِتْر
مَعْرُوفك وَإِحْسَانك وهيء لَهَا صَدْرًا حَنُونًا وَمَهْدَا لَيِّنَا وَعَيْشًا رغيدا .
ثُمَّ بَدَأَتْ تَسُرّ ثِيَابهَا عَنْ جِسْمهَا وَتُغَطِّي بِهَا جِسْم اِبْنَتهَا وِقَايَة لَهَا مِنْ بَرْد
اَللَّيْل حَتَّى لَمْ يُبْقَ عَلَى جَسَدهَا إِلَّا قَمِيص وَاحِد تَرِكَته لِيَكُونَ سَتْرًا لِعَوْرَتِهَا عِنْد
اِنْتِشَال جُثَّتهَا ثُمَّ حَنَّتْ عَلَى اَلطِّفْلَة بِرِفْق فَلَثَمَتْهَا فِي جَبِينهَا لثمة أَوْدَعَتْهَا كُلّ
مَا فِي صَدْرهَا مِنْ حُبّ وَرَحْمَة وَرِفْق وَحَنَان ثُمَّ هَتَفَتْ قَائِلَة اَلْوَدَاع يَا مَارِي سَنُلْقِي
عَمَّا قَلِيل يَا جلبرت اَلْمَغْفِرَة يَا كَاتْرِين وَأَلْقَتْ بِنَفْسِهَا فِي اَلْمَاء .
قُضِيَ المركيز اَللَّيْلَة اَلْأُولَى مِنْ لَيَالِي شَهْر اَلْعَسَل مَعَ عَرُوسه فِي شُرْفَة اَلْقَصْر
يُسَمِّرَانِ وَيَتَنَاجَيَانِ وَيَذْهَبَانِ بِنَظَرِهِمَا حَيْثُ تَذْهَب خَضِرَة اَلْأَرْض وَتَمْتَدّ زُرْقَة اَلسَّمَاء
وَتَطْرُد مِيَاه اَلنَّهْر وَيَتَقَلَّبَانِ بَيْن سَعَادَة حَاضِرَة وَأُخْرَى مَرْجُوَّة وَيَرْشُفَانِ مِنْ كُلّ
كَأْس مِنْ تِلْكَ اَلْكُؤُوس رَشْفَة تُكْثِرَا بِمَا عِنْدهمَا مِنْهَا حَتَّى ثَمِلَا وَاسْتَغْرَقَا
وَأَصْبَحَا لَا يَشْعُرَانِ بِشَيْء مِمَّا حَوْلهمَا فَلَمْ يستفيقا حَتَّى سَمِعَا دَوِيّ اَلرِّيح فِي
أَبْرَاج اَلْقَصْر وَفِي ذوائب اَلْأَشْجَار فَعَلِمَا أَنَّهَا اَلزَّوْبَعَة فَنَهَضَا مِنْ مَكَانهَا
لِيَذْهَبَا إِلَى مَضْجَعهَا .
فَإِنَّهُمَا لواقفان مَوْقِفهمَا هَذَا إِذْ لَمَّحَتْ المركيزة فِي وَجْه المركيز دَهْشَة
وَاضْطِرَابًا وَرَأَتْهُ يَلْتَفِت اِلْتِفَاتًا شَدِيدًا كَأَنَّمَا يَتَسَمَّع لِصَوْت غَرِيب فَسَأَلَتْهُ مَا
بَاله فَلَمْ يُجِبْهَا وَأَطَلَّ مِنْ اَلشُّرْفَة عَلَى اَلنَّهْر فَرَأَى كَمَا رَأَتْ هِيَ عَلَى نُور اَلْقَمَر
طِفْلَة وَاقِفَة عَلَى اَلضَّفَّة تَصِيح وَتُعَوِّل وَتُشِير بِيَدِهَا نَحْو اَلْمَاء وَتَقُول أُمَّاه أُمَّاه
فَنَظَرَا حَيْثُ تُشِير فَإِذَا اِمْرَأَة عَارِيَة إِلَّا قَلِيلًا تَتَخَبَّط فِي لجج اَلْمَاء تَخَبُّط
اَلْغَرْقَى فَتَرَكَ المركيز مَكَانه وَنَزَلَ يَعْدُو إِلَى اَلنَّهْر وَهُوَ يَقُول وا لهفتاه إِنْ
كَانَتْ هِيَ وَصَاحَ بِخَدَمِهِ أَنْ يَتْبَعُوهُ فَفَعَلُوا حَتَّى بَلَغَ مَوْقِف اَلطِّفْلَة فَعَرَفَ أَنَّهَا
اِبْنَته وَأَنَّ اَلْغَرِيقَة سُوزَان فَأَظْلَمَ اَلْفَضَاء فِي عَيْنَيْهِ وَأَشَارَ إِلَى أَحَد خَدَمه أَنْ
يُعَوِّد بِالطِّفْلَةِ إِلَى اَلْقَصْر وَأَمْر اَلْبَاقِينَ أَنْ يَسْبَحُوا وَرَاء اَلْغَرِيقَة ثُمَّ سَقَطَ فِي
مَكَانه وَاهِنًا مُتَهَالِكًا وَكَانَ قَدْ اِجْتَمَعَ عَلَى اَلضَّفَّة خَلْق كَثِير مِنْ اَلْفَلَّاحِينَ
رِجَالًا وَنِسَاء فَسُبَح بَعْضهمْ وَرَاء اَلسَّابِحِينَ وَوَقَفَ اَلْبَاقُونَ حَوْل المركيز يَنْتَظِرُونَ
رَحْمَة اَللَّه وَإِحْسَانه .
اِنْتَشَرَ اَلسَّابِحُونَ فِي كُلّ مَكَان وَمَشَتْ وَرَاءَهُمْ عُيُون اَلنَّاظِرَيْنِ وَقُلُوبهمْ فَقَامَتْ
بَيْنهمْ وَبَيْن اَلْأَمْوَاج اَلْمُتَلَاطِمَة مَعْرَكَة هَائِلَة كَانُوا يَظْفَرُونَ فِيهَا مَرَّة
وَيَتَرَاجَعُونَ أُخْرَى وَكَادُوا إِذَا لَاحَ لَهُمْ عَلَى اَلْبُعْد قَمِيص اَلْغَرِيقَة أَوْ شَعْرهَا عَظُمَ
عِنْدهمْ اَلْأَمَل فَانْدَفَعُوا وَرَاءَهَا مُسْتَبْسِلِينَ مُسْتَلْقِينَ يغالبون جِبَال اَلْأَمْوَاج
اَلْمُعْتَرِضَة فِي طَرِيقهمْ حَتَّى إِذَا دُنُوّ مِنْ اَلْمَكَان اَلَّذِي لَمَحُوهَا فِيهِ لَا يَجِدُونَ
أَمَامهمْ شَيْئًا ثُمَّ لَا يَلْبَث اَلْمَوْج أَنْ بَكَّرَ عَلَيْهِمْ فَيَدْفَعهُمْ إِلَى اَلشَّفَة كَمَا كَانُوا
.
وَمَا زَالَتْ اَلْفَتَرَات بَيْن ظُهُور اَلْغَرِيقَة وَاخْتِفَائِهَا تَتَّسِع شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى غَابَتْ
عَنْ اَلْأَعْيُن وَلَمْ تَظْهَر فَهَبَطَ اَلسَّابِحُونَ وَرَاءَهَا وَلَبِثُوا سَاعَة يَرْسُبُونَ وَيَطْفُونَ ثُمَّ
ظَهَرُوا عَلَى وَجْه اَلْمَاء يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَيْدِيهمْ وَلَا يَعْلَم اَلنَّاس أحية أَمْ مَيِّتَة
وَمَا زَالُوا يَسْبَحُونَ بِهَا وَأَصْوَات اَلدُّعَاء لَهَا وَالْبُكَاء عَلَيْهَا تَرِنّ فِي اَلضَّفَّتَيْنِ
فَتَرَدَّدَ رَنِينهَا آفَاق اَلسَّمَاء حَتَّى وَصَلُوا بِهَا إِلَى اَلضَّفَّة فَأَلْقَوْهَا عَلَى اَلْأَرْض
فَإِذَا هِيَ مَيِّتَة .
وَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَة أَوْ بَعْض سَاعَة حَتَّى كَانَتْ اَلضَّفَّة مَأْتَمًا قَائِمًا يَبْكِي فِيهِ اَلنِّسَاء
عَلَى اَلشَّهِيدَة وَالرِّجَال عَلَى اَلشَّهِيد .
لَمْ يَنْتَفِع المركيز بِنَفْسِهِ بَعْد هَذَا اَلْيَوْم كَمَا لَمْ يَنْتَفِع جلبرت بِنَفْسِهِ مِنْ قَبْل
فَقْد مَرِضَتْ اِبْنَته أَثَر تِلْكَ اَلْحَادِثَة مَرَضًا شَدِيدًا فَلَمْ تَلْبَث أَنْ لَحِقَتْ بَعْد ثَلَاث
لَيَالٍ وَاسْتَحَالَ اَلْحُبّ اَلَّذِي كَانَتْ تُضْمِرهُ لَهُ زَوْجَته إِلَى بَعْض وَاحْتِقَار فَهَجَرَتْهُ
وَسَافَرَتْ إِلَى نيس وَلَزِمَهُ خَيَال ذَلِكَ اَلْمَنْظَر اَلَّذِي رَآهُ مِنْ شُرْفَة اَلْقَصْر لَيْلَة اَلْغَرَق
لَا يُفَارِقهُ لَيْله وَنَهَاره فَكَانَ كُلَّمَا مَشَى فِي طَرِيق تَوَهُّم أَنَّ أَمَامه نَهْرًا هَائِجًا
تَتَخَبَّط سُوزَان فِي لجته وَتَصِيح مَارِي عَلَى ضَفَّته فَيَصْرُخ قَائِلًا لَبَّيْكَ يَا سُوزَان
وَيَنْدَفِع إِلَى اَلْأَمَام كَأَنَّمَا يُرِيد أَنْ يُلْقِي بِنَفْسِهِ فِي اَلنَّهْر اَلَّذِي تَوَهَّمَهُ لِيُنْجِيَ
اَلْغَرِيقَة اَلَّتِي تُخَيِّلهَا فَيَنْأَى عَنْهُ اَلْمُنَظِّر كُلَّمَا دَنَا مِنْهُ حَتَّى يَنَال مِنْهُ اَلتَّعَب
فَيُسْقِط حَسِيرًا طَرِيحًا وَكَانَ يَهِيم عَلَى وَجْه أَحْيَانًا حَتَّى يَصِل إِلَى ضَاحِيَة قِرْبَة
لِينِي فَيَرَى اِمْرَأَة عَجُوز مكبة عَلَى قَبْر بَيْن يَدَيْهَا تُبْكِي وتنحب فَيَعْلَم أَنَّهَا
كَاتْرِين وَأَنَّ اَلْقَبْر قَبْر قَتْلَاهُ فَيَتَرَاجَع خَائِفًا مَذْعُورًا وَيَصْرُخ قَائِلًا اَلرَّحْمَة
اَلرَّحْمَة اَلْعَفْو اَلْعَفْو وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَرَاهُ نِسَاء اَلْفَلَّاحِينَ سَاقِطًا فِي بَعْض
اَلْأَمَاكِن اَلَّتِي كُنَّ يَرَيْنَ فِيهَا جلبرت فَيَقُلْنَ لَقَدْ اُنْتُقِمَ اَللَّه لِلشَّهِيدِ اَلْمِسْكِين
وَالشَّهِيدَة اَلْمَظْلُومَة وَكَانَ مَنْظَر اَلْمَاء يُهَيِّجهُ أَكْثَر مِنْ كُلّ مَنْظَر سِوَاهُ فَإِذَا رَآهُ
اثار وَاضْطَرَبَ وَتَهَافَتَ عَلَيْهِ يُرِيد اِقْتِحَامه لَوْلَا أَنْ يَتَدَارَكهُ مَنْ يَرَاهُ مِنْ اَلْمَارَّة
.
وَلَمْ يَزَلْ هَذَا شَأْنه حَتَّى رَأَى اَلنَّاس جُثَّته فِي صَبَاح يَوْم مِنْ اَلْأَيَّام طَافِيَة عَلَى
وَجْه اَلنَّهْر فِي اَلْمَكَان اَلَّذِي غَرِقَتْ فِيهِ سُوزَان فَعَلِمُوا أَنَّهَا نِهَايَة اَلْجَزَاء .
مَرَّتْ عَلَى هَذِهِ اَلْحَادِثَة أَعْوَام طِوَال وَلَا يَزَال عَجَائِز قِرْية لِينِي وَالْقِرْد اَلْمُحِيطَة
بِهَا يحفظنها حَتَّى اَلْيَوْم وَيَبْكِينَ كُلَّمَا ذكرنها ويروينها لِبَنَاتِهِنَّ وَحَفِيدَاتهنَّ
عِبْرَة يَعْتَبِرْنَ بِهَا كُلَّمَا طَافَ بِهِنَّ مِنْ شُرُور اَلرِّجَال .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصص وروايات.......
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص وروايات.......
» قصص وروايات.......
» قصص وروايات.......
» قصص وروايات.......
» قصص وروايات.......

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مملكه الأحلام :: ◄♥♥ مدينة الاحلام ♥♥► :: مكتبة القصص-
انتقل الى: