وَظَلَّ اَلدُّوق يَخْتَلِف إِلَيْهَا بَعْد ذَلِكَ فَيُجَالِسهَا طَوِيلًا وَيَجِد مِنْ اَلْأُنْس بِهَا
وَالِاغْتِبَاط بِعَشَرَتِهَا مَا تَسْكُن بِهِ لَوْعَة نَفْسه كُلَّمَا شَبَّهَا اَلْوَجْد فِي صَدْره حَتَّى أَصْبَحَ
لَا يَسْتَطِيع مُفَارَقَتهَا سَاعَة وَاحِدَة وَكَأَنَّمَا لَذَّ لَهَا أَنْ يَرَى ذَلِكَ اَلشَّيْخ الثامل
اَلْمَنْكُوب فِي وَجْههَا سَلْوَته وَعَزَاءَهُ فَمَنَحَهُ مِنْ عَطْفهَا وَحُبّهَا مَا لَمْ تَمْنَحهُ أَحَدًا
مِنْ قَبْله وَأَنِسَتْ بِهِ أُنْسًا لَمْ تَأْنَسهُ بِإِنْسَان سِوَاهُ .
وَمَا هِيَ أَيَّام قَلَائِل حَتَّى أَبْلَتْ مِنْ مَرَضهَا بَعْض الإبلال وَعَاد إِلَى وَجْههَا رَوْنَقه
وَبَهَاؤُهُ وَإِلَى ثَغْرهَا اَلْبَدِيع اِبْتِسَامه وافتراره فَلَذَّ لَهَا اَلْمَقَام فِي البانيير
أَيَّامًا طِوَالًا حَتَّى شَعَرَتْ بِهُبُوب رِيَاح اَلشِّتَاء فَأَزْمَعَتْ اَلْعَوْدَة إِلَى بَارِيس فَشَقَّ ذَلِكَ
عَلَى اَلدُّوق وَعَلَم أَنَّهَا إِنْ عَادَتْ إِلَيْهَا لَا يَظْفَر مِنْهَا فِي ذَلِكَ اَلْمُزْدَحِم اَلْعَظِيم
اَلْحَافِل بِخُلَّانِهَا وَأَصْدِقَائِهَا بِمِثْل مَا كَانَ يَظْفَر بِهِ مِنْهَا فِي البانيير فَخَلَّى بِهَا
لَيْلَة اَلسَّفَر سَاعَة وَحَادَثَهَا حَدِيثًا طَوِيلًا وَانْتَهِي بِالِاتِّفَاقِ مَعَهَا عَلَى أَنْ تَهْجُر
حَيَاتهَا اَلْأَوْلَى حَيَاة المخالة وَالْمُعَاشَرَة وَتَعِيش فِي مَنْزِل يُهَيِّئهُ لَهَا يوقم
بِنَفَقَاتِهَا فِيهِ عَلَى أَنْ تَأْذَن لَهُ بِالِاخْتِلَافِ إِلَيْهَا مِنْ حِين إِلَى حِين ثُمَّ سَافَرَا فِي
اَلْيَوْم اَلثَّانِي إِلَى بَارِيس . .
وَمُنْذُ ذَلِكَ اَلْيَوْم تَغَيَّرَتْ صُورَة حَيَاتهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَبْل فَأَصْبَحَتْ تَعِيش فِي
قَصْرهَا اَلَّذِي هَيَّأَهُ لَهَا اَلدُّوق عَيْشًا بَيْن اَلْعُزْلَة وَالِاخْتِلَاط فَلَا تَسْتَقْبِل اَلنَّاي
فِيهِ إِلَّا قَلِيلًا وَلَا تَمْتَزِج مَعَ اَلَّذِينَ تَسْتَقْبِلهُمْ اَلِامْتِزَاج كُلّه وَرُبَّمَا مَرَّتْ بِهَا
أَيَّام لَا يَرَاهَا اَلنَّاس خَارِج قَصْرهَا إِلَّا قَلِيلًا فَإِذَا خَرَجَتْ رَكِبَتْ عَرَبَتهَا وَحْدهَا
دُون رَفِيق أَوْ رَفِيقه وَمَشَتْ فِي طَرِيقهَا تَقْرَأ فِي كِتَاب أَوْصِ حيفة فَرُبَّمَا مَرَّ بِهَا
كَثِير مِمَّنْ تُعَرِّفهُمْ فَلَا تَرَاهُمْ فَإِذَا وَقَعَ نَظَرهَا عَلَى وَاحِد مِنْهُمْ اِبْتَسَمَتْ أَدْرَاجهَا
حَتَّى تَصِل مُنَزَّه الشانزليزيه فَتَنْزِل مِنْ عَرَبَتهَا وَتَمْشِي فِي اَلْغَابَة عَلَى قَدَمَيْهَا
سَاعَة ثُمَّ تَعُود إِلَى قَصْرهَا فَإِذَا جَاءَ اَللَّيْل ذَهَبَتْ إِلَى مَلْعَب اَلتَّمْثِيل وَحْدهَا أَوْ
مَعَ اَلرَّجُل اَلْقَائِم بِشَأْنِهَا فَتَقْضِي فِيهِ أَكْثَر وَقْتهَا نَاظِرَة إِلَى اَلْمَسْرَح لَا يَشْغَلهَا
كَثْرَة اَلنَّاظِرِينَ إِلَيْهَا أَوْ اَلْمُتَهَافِتِينَ عَلَى مَقْصُورَتهَا عَنْ تَتَبُّع فُصُول اَلرِّوَايَة
وَالِاهْتِمَام بِوَقْعِهَا حَتَّى تَنْتَهِي .
فَلَمْ تَمْضِ عَلَيْهَا أَيَّام كَثِيرَة حَتَّى عِلْم اَلنَّاس جَمِيعًا أَنَّ مَرْغِرِيت قَدْ اِسْتَحَالَتْ
حَالهَا وَتَغَيَّرَتْ صُورَة حَيَاتهَا وَأَنَّهَا قَدْ قَنِعَتْ بِهَذِهِ اَلْحَيَاة اَلْجَدِيدَة حَيَاة اَلْهُدُوء
وَالسَّكِينَة وَالْوَحْشَة وَالِانْفِرَاد وَرَضِيتهَا لِنَفْسِهَا فَلَا سَبِيل إِلَى مُغَالَبَتهَا عَلَيْهَا
فَقَصَّرَتْ عَنْهَا أَسْمَاعهمْ وَانْقَطَعَتْ مِنْهَا سَبِيل إِلَى مُغَالَبَتهَا عَلَيْهَا فَقَصَّرَتْ عَنْهَا
أَطْمَاعهمْ وَانْقَطَعَتْ مِنْهَا آمَالهمْ وَظَلُّوا يَتَلَمَّسُونَ اَلْأَسْبَاب لِتِلْكَ اَلْحَالَة اَلْغَرِيبَة
اَلَّتِي طَرَأَتْ عَلَيْهَا فَذَهَبُوا فِي شَأْنهَا اَلْمَذَاهِب كُلّهَا إِلَّا اَلْمَذْهَب اَلصَّحِيح مِنْهَا
وَهِيَ أَنَّ تِلْكَ اَلْحَادِثَة اَلْمُحْزِنَة اَلَّتِي حَدَثَتْ لِابْنَة اَلدُّوق شَبِيهَتهَا فِي صُورَتهَا
وَمَرَضهَا قَدْ أَثَّرَتْ فِي نَفْسهَا تَأْثِيرًا شَدِيدًا وَصَوَّرَتْ لَهَا اَلْحَيَاة بِصُورَة غَيْر صُورَتهَا
اَلْأُولَى فَأَصْبَحَتْ تَعَاف اَلرِّجَال لِأَنَّهُمْ سَبَب سُقُوطهَا وَتَسْتَنْكِر سُقُوطهَا أَكْثَر مِمَّا
اِسْتَنْكَرَتْهُ مِنْ قَبْل لِأَنَّهُ سَبَب مَرَضهَا وَلَا تَأَسُّف عَلَى مَا فَاتَهَا مِمَّا فِي أَيْدِي اَلنَّاس
لِأَنَّهَا تَعِيش مِنْ مَال اَلدُّوق فِي نِعْمَة لَا يَطْمَع طَامِع فِي أَكْثَر مِنْهَا وَرُبَّمَا خَطَرَ لَهَا
أَنَّ حَيَاتهَا مَعَ هَذَا اَلشَّيْخ اَلْهَرِم اَلَّذِي لَا يَطْمَع مِنْهَا فِي أَكْثَر مِنْ أَنْ يَرَاهَا
تَشَبُّه حَيَاة اَلْعَذَارَى اَلطَّاهِرَات اَللَّوَاتِي يَنْعَمْنَ بِنِعْمَة اَلشَّرَف فِي ظِلَال آبَائِهِنَّ
فَأَعْجَبَهَا هَذَا اَلْخَيَال وَلَذَّ لَهَا وَكَثِيرًا مَا بَكَتْ ذَلِكَ اَلشَّرَف قَبْل اَلْيَوْم وَحَنَّتْ إِلَيْهِ
.
اِنْقَضَتْ أَيَّام اَلْخَرِيف وَأَقْبَلَتْ أَيَّام اَلشِّتَاء وَسَالَتْ اَلْأَجْوَاء بَرْدًا وَقَّرَا فَثَارَ مَا
كَانَ كَامِنًا مِنْ دَاء مَرْغِرِيت وَعَاد إِلَيْهَا نَفَثَهَا وسعالها فَظَلَّتْ تُكَابِد مِنْ مَرَضهَا
آلَامًا جِسَامًا لَا تَفَرُّقهَا يَوْمًا حَتَّى تُعَاوِدهَا أَيَّامًا فَإِنْ أَلَمَّتْ بِهَا أَلْزَمَتْ سَرِيرهَا
لَا تُفَارِقهُ وَإِنْ رَوَّحَتْ عَنْهَا بَرَزَتْ إِلَى اَلْخَلَاء فِي بكور اَلْأَيَّام وأصائلها تَطَلَّبَ
اَلْهَوَاء اَلطَّلْق وَالْجَوّ اَلنَّقِيّ وَرُبَّمَا ذَهَبَتْ فِي بَعْض لَيَالِيهَا إِلَى مَلْعَب اَلتَّمْثِيل
لِتَتَفَرَّج مَا هِيَ فِيهِ فَتَخْلُو بِنَفْسِهَا فِي مَقْصُورَتهَا سَاعَة أَوْ سَاعَتَيْنِ ثُمَّ تَعُود إِلَى
مَنْزِلهَا .
وَكَانَتْ لَا يَزَال تَرَى فِي اَلْمَقْصُورَة اَلْمُجَاوِرَة لِمَقْصُورَتِهَا كُلَّمَا ذَهَبَتْ إِلَى اَلْمَلْعَب
فَتَى فِي زِيّ أَبْنَاء اَلْأَشْرَاف وَشَمَائِلهمْ لَا يَزَال يخالسها النطر مِنْ حِين إِلَى حِين
فَيَنْظُر إِلَيْهَا إِنْ غَضَّتْ عَنْهُ وَيَقْضِي عَنْهَا إِنْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَلَا يَلْتَقِي نَظَرهَا بِنَظَرِهِ
حَتَّى يتلهب وَجْهه حُمْرَة وَيَرْفُض جَبِينه عَرَقًا كَأَنَّمَا جَنَى جِنَايَة لامقيل لَهُ مِنْهَا
فَلَمْ تَحْفُل بِهِ كَثِيرًا لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَمْره شَيْئًا جَدِيدًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَعَجُّب
لِسُكُونِهِ وَجُمُوده وَطُول إغضائه وَإِطْرَاقه وَلِتِلْكَ اَلْعِبْرَة مِنْ اَلْحُزْن اَلْمُنْتَشِرَة عَلَى
وَجْهه وَكَانَ أَكْثَر مَا يُدْهِشهَا مِنْهُ أَوْ يُعْجِبهَا أَنَّهُ اَلْفَتَى اَلْوَحِيد اَلَّذِي كَانَ يَبْكِي
فِي ذَلِكَ اَلْمُجْتَمَع اَلْمُنْتَظَر اَلْمُشَاهَد اَلْمُحْزِنَة اَلَّتِي تُمَثِّل عَلَى مَسْرَح اَلتَّمْثِيل
لِأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ اَلْفِتْيَان اَلْفَرِحِينَ اَلْمُغْتَبِطِينَ بِشَبَابِهِمْ وَصِحَّتهمْ وَلَا يَحْفُلُونَ
بِمَنَاظِر اَلشَّقَاء اَلْحَقِيقِيَّة فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحْفُلُوا بِتَمْثِيلِهَا .
فَإِنَّهَا اَلْحَالِيَّة بِنَفْسِهَا فِي مَقْصُورَة ذَات لَيْلَة وَكَانَ اَلْجَوّ بَارِدًا مُقْشَعِرًّا إِذْ
فَاجَأَتْهَا نَوْبَة سُعَال اِشْتَدَّتْ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى كَادَتْ تَسْقُط عَنْ كُرْسِيّهَا ضَعْفًا
وَوَهْنًا فَشَعَرَتْ بِيَد تُمْسِك يَدهَا فَاعْتَمَدَتْ عَلَيْهَا دُون أَنْ تَسْتَطِيع اَلِالْتِفَات إِلَى
صَاحِبهَا حَتَّى بَلَغَتْ عَرَبَتهَا فَرَكِبْتهَا فَشَعَرَتْ بِالرَّاحَةِ قَلِيلًا فَالْتَفَتَتْ لِتَشْكُر لِصَاحِب
تِلْكَ اَلْيَد يَده لَمْ تُرِ أَمَامهَا أَحَدًا وَرَأَتْ عَلَى بُعْد خُطُوَات مِنْهَا إِنْسَانًا مُنْصَرِفًا
فَلَمْ تَتَمَكَّن مِنْ رُؤْيَته إِلَّا أَنَّهَا تَخَيَّلَتْ صُورَته تَخَيُّلًا فَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ وَمَضَتْ فِي
طَرِيقهَا فَمَا وَصَلْت إِلَى مَنْزِلهَا حَتَّى شَعَرَتْ برعدة اَلْحُمَّى تَتَمَشَّى فِي أَعْضَائِهَا فَلَزِمَتْ
سَرِيرهَا بِضْعَة أَيَّام لَا تُفَارِقهُ حَتَّى أَبْلَتْ قَلِيلًا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهَا خَادِمَتهَا بِطَاقَات
اَلزِّيَارَة اَلَّتِي تَرَكَهَا اَلْفِتْيَان اَلَّذِينَ زَارُوهَا فِي اثناء مَرَضهَا تُجْمِلَا وَتَلُومَا
فَلَمْ تَقْرَأ وَاحِدَة مِنْهَا ثُمَّ حَدَّثَتْهَا اَلْخَادِم أَنَّ فَتَى كَانَ يَأْتِي لِلسُّؤَالِ عَنْهَا فِي كُلّ
يَوْم مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَذْكُر اِسْمه وَلَا يَتْرُك بِطَاقَته وَأَنَّهُ كَانَ يَنْقَبِض اِنْقِبَاضًا
شَدِيدًا كُلَّمَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَا تَزَال طَرِيحَة فِرَاشهَا تَشْكُو وَتَتَأَلَّم فاستوصفتها
إِيَّاهُ فَوَصَفَتْهُ لَهَا فَلَمْ تَعْرِفهُ وَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ كُلّ اَلْعَجَب وَتَمَنَّتْ لَوْ رَأَتْهُ فَشَكَرَتْ لَهُ
هَذَا اَلْإِخْلَاص اَلنَّادِر اَلَّذِي لَا عَهْد لَهَا بِهِ فِي أَحَد مِنْ اَلنَّاس وَأَمَرَتْ خَادِمَتهَا أَنْ
تُخْبِرهَا خَبَره إِنْ جَاءَ لِلسُّؤَالِ عَنْهَا مَرَّة أُخْرَى فَلَمْ يَلْبَث أَنْ جَاءَ وَكَانَتْ مَرْغِرِيت
جَالِسَة فِي شُرْفَة اَلْمَنْزِل اَلْمُطِلَّة عَلَى اَلطَّرِيق فَرَأَتْهُ فَعَرَفَتْ أَنَّهُ ذَلِكَ اَلْفَتَى
اَلْحَزِين اَلَّذِي كَانَتْ تَرَاهُ فِي اَلْمَقْصُورَة اَلْمُجَاوِرَة لِمَقْصُورَتِهَا فِي مَلْعَب اَلتَّمْثِيل
وَأَنَّهُ صَاحِب تِلْكَ اَلْيَد اَلَّتِي اِمْتَدَّتْ لِمَعُونَتِهَا لَيْلَة اَلنَّازِلَة اَلَّتِي نَزَلَتْ بِهَا هُنَاكَ
فَأَشَارَتْ إِلَى خَادِمَتهَا بِالنُّزُولِ إِلَيْهِ وَاسْتِدْعَائِهِ إِلَيْهَا فَفَعَلَتْ فَاضْطَرَبَ اَلْفَتِيّ
لِهَذِهِ اَلدَّعْوَة اِضْطِرَابًا شَدِيدًا حَتَّى كَادَ يَرْفُضهَا ثُمَّ شَعَرَ بِمَكَان مَرْغِرِيت مِنْ اَلشُّرْفَة
فَتَلُوم وَمَشْي وَرَاء اَلْخَادِمَة حَتَّى صَعِدَتْ بِهِ إِلَى غُرْفَة سَيِّدَتهَا فَتَرَكْته وَانْصَرَفْت
فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَحَيَّاهَا وَوَجْهه يَرْفُض عِرْقًا وَلِسَانه لَا يَكَاد يُبَيِّن فَمَدَّتْ إِلَيْهِ يَدهَا
فَتَنَاوَلَهَا وَقَبِلَهَا قُبْلَة طَوِيلَة عَرَفَتْ مَرْغِرِيت سِرّ مَا أُودِعهَا مِنْ عَوَاطِف قَلْبه وَهِيَ
اَلْعَالِمَة بِأَسْرَار اَلْقُبُلَات ثُمَّ آذَنَتْهُ بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ فَأَنْشَأَتْ تُسَائِلهُ عَنْ نَفْسه وَعَنْ
قَوْمه وَعَنْ سَبَب اِهْتِمَامه بِشَأْنِهَا وَتَبْتَسِم لَهُ فِيمَا بَيْن ذَلِكَ اِبْتِسَامَات تُلَاطِفهُ
بِهَا وَتَمْسَح عَنْ فُؤَاده مَا أُلِمّ بِهِ مِنْ اَلرَّوْع فَحَدَّثَهَا أَنَّهُ غَرِيب عَنْ بَارِيس وَأَنَّهُ
وَفَدَ إِلَيْهَا مُنْذُ عِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ بَلْدَته نيس لِيَقْضِيَ فِيهَا ثَلَاثَة أَشْهُر أُذُن لَهُ
أَبُوهُ بِهَا طَلَبًا لِتَغْيِير اَلْهَوَاء وَتَرْوِيح اَلنَّفْس ثُمَّ يَعُود فِي نِهَايَتهَا إِلَى وَطَنه
فَسَأَلَتْهُ هَلْ وَجَدَ اَلْمَقَام حَمِيدًا هُنَا فَصَمَتَ هُنَيْهَة ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا نَظْرَة مُنْكَسِرَة
وَقَالَ لَا يَا سَيِّدَتِي قَالَتْ لِمَاذَا فَحَارَتْ بَيْن شَفَتَيْهِ كَلِمَة لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْطِق بِهَا
فَعَادَ إِلَى صَمْته وَإِطْرَاقه فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ سُؤَالهَا فَقَالَ لَهَا هَلْ تَأْذَنِينَ لِي يَا سَيِّدَتِي
أَنْ أَقُول لَك كُلّ مَا فِي نَفْسِي فَشَعَرَتْ بِمَا فِي نَفْسه قَبْل أَنْ يَقُولهُ وَقَالَتْ لَهُ قُلْ مَا
تَشَاء إِلَّا أَنْ تُطَارِحنِي حُبّك وَغَرَامك فَإِنَّنِي اِمْرَأَة مَرِيضَة لَا أَسْتَطِيع أَنْ اِحْتَمَلَ
اَلْحَيَاة وَحْدهَا خَالِصَة لَا مؤونة فِيهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا اِحْتَمَلَهَا مُثْقَلَة بِالْحُبِّ
وَالْغَرَام فَاصْفَرَّ وَجْهه اِصْفِرَار شَدِيدًا وَمَدّ يَده إِلَى دَمْعَة تَتَرَقْرَق فِي عَيْنَيْهِ
فَمَسْحهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا ذَلِكَ مَا يُحْزِننِي يَا سَيِّدَتِي وَيُبْكِينِي وَيُنَغِّص لِي عَيْشِي مُنْذُ
هَبَطَتْ بَارِيس حَتَّى اَلْيَوْم فَإِنَّنِي رَأَيْتُك فَأَحْبَبْتُك لِلنَّظْرَةِ اَلْأُولَى ثُمَّ سَأَلَتْ عَنْك
فَعَرَفَتْ مَنْ أَمَرَك كُلّ شَيْء وَعَلِمَتْ أَنَّك تَعِيشِينَ مُنْذُ شُهُور عِيشَة لَا مَطْمَع فِيهَا
لِطَامِع وَلَا أَمَلّ لِآمُل فَانْقَطَعَ أَمَلِي مِنْك إِلَّا أَنَّ حُبِّي إِيَّاكَ لَمّ يَنْقَطِع ثُمَّ رَأَيْتُك
بَعْد ذَلِكَ فِي مَلْعَب اَلتَّمْثِيل وَرَأَيْت هَذَا اَلْقِنَاع اَلْأَصْفَر اَلَّذِي نَسَجَتْهُ يَد اَلْمَرَض
عَلَى وَجْهك اَلْجَمِيل فَاسْتَحَالَ جي إِيَّاكَ رَحْمَة وَشَفَقَة وَأَصْبَحَتْ أَبْكِي لِمَرَضِك أَكْثَر مِمَّا
أَبْكِي لِحُبِّك وَأَصْبَحَ كُلّ مَا أَتَمَنَّى عَلَى اَللَّه فِي حَيَاتِي أَنْ أَرَاك بارئة نَاعِمَة
مَوْفُورًا لَك حَظّك مِنْ سَعَادَة اَلْعَيْش وَهَنَائِهِ ثُمَّ لَا أَطْمَع بَعْد ذَلِكَ فِي شَيْء مِمَّا
يَطْمَع فِيهِ اَلْمُحِبُّونَ اَلْمُغْرَمُونَ فَأَنَا أَقِف اَلسَّاعَة بَيْن يَدَيْك لَا لأطارحك اَلْحُبّ
وَالْغَرَام بَلْ لِأَسْأَل أَنْ تَأْذَنِي لِي بِالْوُقُوفِ عَلَى بَابك كُلَّمَا جُثَّته أَسْأَل خَادِمَتك
عَنْك ثُمَّ أَمْضِي لِسَبِيلِي مِنْ حَيْثُ لَا تريم وَجِّهِي وَلَا تَشْعُرِينَ بِمَكَانِيّ فَسَرَّتْ فِي
أَعْضَائِهَا رعدة غَيْر الرعدة اَلَّتِي تُعَرِّفهَا مِنْ اَلْحُمَّى وَخُيِّلَ إِلَيْهَا أَنَّهَا تَسْمَع نَغْمَة
فِي اَلْحُبّ غَيْر اَلنَّغْمَة اَلَّتِي كَانَتْ تَسْمَعهَا مِنْ قَبْل اَلْيَوْم مِنْ أَفْوَاه اَلرِّجَال فَنَظَرَتْ
إِلَيْهِ نَظْرَة لَا تَأْوِيلهَا إِلَّا اَللَّه تَعَالَى ثُمَّ قَالَتْ لَهُ إِنِّي آذَن لَك بِذَلِكَ يَا سَيِّدِي
وَأَشْكُرهُ لَك شُكْرًا جَزِيلًا بَلْ آذنك أَنْ تَزُورنِي كُلَّمَا شِئْت عَلَى أَنْ تَفِد إِلَى صَدِيقًا
مُسَاعِدًا لَا محبلا مُغْرَمًا فَإِنِّي إِلَى اَلْأَصْدِقَاء اَلْمُخَلِّصِينَ أَحْوَج مِنِّي إِلَى اَلْمُحِبِّينَ
اَلْمُغْرَمِينَ وَمَدَّتْ إِلَيْهِ يَدهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا قَدْ آذَنَتْهُ بِالِانْصِرَافِ فَقَبِلَهَا وَانْصَرَفَ
مَسْرُورًا مُغْتَبِطًا فَأَتْبَعَتْهُ نَظَرهَا حَتَّى غَابَ عَنْهَا فَسَقَطَتْ وِسَادَة بِجَانِبِهَا وَقَالَتْ :
رَحِمَتْك اَللَّهُمَّ فَإِنِّي أَخَشِيَ أَنْ أُحِبّهُ .
لَقَدْ أَحْبَبْته مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي فَإِنَّ اَلْخَوْف مِنْ اَلْحُبّ هُوَ اَلْحُبّ نَفْسه بَلْ شَعَرَتْ فِي
حُبّه بِسَعَادَة لَمْ تَشْعُر بِمِثْلِهَا مِنْ قَبْل فَأَصْبَحَتْ تَسْتَقْبِلهُ كُلّ يَوْم فِي مَنْزِلهَا وَتَأْنَس
بِهِ وَبِحَدِيثِهِ أَنَا كَثِيرًا وَتَقْضِي إِلَيْهِ بِذَات نَفْسهَا إِفْضَاء اَلصَّدِيق إِلَى صَدِيقه
وَتَقَصٍّ عَلَيْهِ قِصَّة مَاضِيهَا وَحَاضِرهَا وَلَا تُكَذِّبهُ شَيْئًا وَلَا تَكْتُم عَنْهُ أمرأ ثُمَّ
تَرَامَى بِهَا اَلْأَمْر حَتَّى أَصْبَحَتْ تَشْعُر بِالْوَحْشَةِ إِنْ تُخْلِف عَنْ مِيعَاد زِيَارَته بِضْع
دَقَائِق ثُمَّ حَدَثَ أَنْ اِنْقَطَعَ عَنْ زِيَارَتهَا ثَلَاثَة أَيَّام لِأَمْر عَرْض لَهُ لَمْ يَتَمَكَّن مِنْ
إِخْبَارهَا بِهِ فَحَزِنَتْ لِانْقِطَاعِهِ حُزْنًا عَظِيمًا وَذَهَبَتْ بِهَا اَلْوَسَاوِس وَالظُّنُون كُلّ مَذْهَب
ثُمَّ ذَكَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ اَلْحُزْن وَهَذَا اَلْوَسَاوِس لَيْسَ مِنْ شَأْنهَا قَبْل اَلْيَوْم فَقَلِقَتْ لِذَلِكَ
قَلَقًا شَدِيدًا وَخَفْق قَلْبهَا خَفْقَة اَلرُّعْب وَالْخَوْف وَعَلِمَتْ أَنَّهَا قَدْ وَقَفَتْ عَلَى حَافَّة
اَلْهُوَّة وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَتَرَدَّى فِيهَا فَسَهِرَتْ لَيْلَة طَوِيلَة عَالَجَتْ فِيهَا نوازع
اَلنَّفْس وَخَوَالِجهَا مَا عَالَجَتْ حَتَّى أَصْبَحَ اَلصَّبَاح وَقَدْ أَضْمَرَتْ فِي نَفْسهَا أَمْرًا .
جَاءَ أَرْمَان فِي صَبَاح اَلْيَوْم اَلرَّابِع فَوَجَدَهَا طَرِيحَة فِرَاشهَا وَفِي عَيْنَيْهَا حُمْرَة
اَلْبُكَاء وَالسَّهَر فَارْتَاعَ لِمَنْظَرِهَا وَقَالَ لَهَا لَعَلَّك سَهِرْت بِالْأَمْسِ كَثِيرًا يَا سَيِّدَتِي
أَوْ بَكَيْت فَإِنِّي أَرَى فِي عَيْنَيْك أَثَر وَاحِد مِنْهُمَا قَالَتْ هُمَا مَعًا يَا أَرْمَان قَالَ وَهَلْ
حَدَثَ شَيْء جَدِيد ? قَالَتْ اِجْلِسْ بِجَانِبِي قَلِيلًا أَيُّهَا اَلصَّدِيق أُحَدِّثك حَدِيثًا قَصِيرًا
وَرُبَّمَا كَانَ آخَر حَدِيث بَيْنِي وَبَيْنك ثُمَّ لَا أَرَاك بَعْد ذَلِكَ وَلَا تَرَانِي فَذُعِرَ ذُعْرًا
شَدِيدًا وَدَاخِله مِنْ اَلرُّعْب وَالْهَوْل مَا مَلَكَ عَلَيْهِ عَقْله وَلِسَانه فَلَمَّ يَسْتَطِيع أَنْ
يَقُول شَيْئًا وَسَقَطَ بِجَانِبِهَا وَاهِيًا متضعضعا وَظَلَّ يَنْظُر إِلَى وَجْههَا نَظَر اَلْمُتَّهَم
إِلَى وَجْه قاصيه .
سَاعَة نطفه بِالْحُكْمِ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تُحَدِّثهُ وَتَقُول :
عَرَفَتْك يَا أَرْمَان فَعَرَفَتْ فِيك اَلرَّجُل اَلْكَرِيم اَلَّذِي أَحَبَّنِي لِنَفْسِي أَكْثَر مِمَّا أَحَبَّنِي
لِنَفْسِهِ وَالصَّدِيق اَلْوَفِيّ اَلَّذِي اِمْتَزَجَتْ فِي قَلْبه عَاطِفَة اَلْحُبّ بِعَاطِفَة اَلرَّحْمَة
وَالْحَنَان فَآوَى إِلَى مَرِيضه حِينَمَا جَفَانِي اَلنَّاس لِمَرَضِيّ وَعَاشَ مَعِي بِلَا أَمَل حِينَمَا
اِنْقَطَعَ اَلنَّاس عَنِّي لِانْقِطَاع أَمَلهمْ مِنِّي فَأَضْمَرَتْ لَك فِي قَلْبِي مِنْ اَلْحُبّ وَالِاحْتِرَام
مَا لَمْ أُضْمِرهُ أَحَد سِوَاك وَسَعِدَتْ بِك سَعَادَة لَمْ أَشْعُر بِمِثْلِهَا فِي يَوْم مِنْ أَيَّام حَيَاتِي
وَلَكِنَّ اَللَّه اَلَّذِي كَتَبَ لِي اَلشَّقَاء فِي لَوْح مَقَادِيره مِنْ ضجعة اَلْمَهْد إِلَى رَقْدَة
اَللَّحْد لَمْ يَشَأْ أَنْ يُمْتِعنِي طَوِيلًا بِهَذِهِ اَلسَّعَادَة وَأَبِي إِلَّا أَنْ يسلبنيها وَشِيكًا
فَقَدْ أَصْبَحَتْ أَشْعَر مُنْذُ أَيَّام أَنَّ تِلْكَ اَلْعَاطِفَة اَلشَّرِيفَة اَلْمُقَدَّسَة اَلَّتِي كُنْت أَسْتَمِدّ
مِنْهَا سَعَادَتِي وَهَنَائِي قَدْ أَخَذَتْ تَسْتَحِيل فِي أَعْمَاق قَلْبِي إِلَى عَاطِفَة أُخْرَى غَيْرهَا
لَا أُرِيدهَا لِنَفْسِي وَلَا أَرَى إِلَّا أَنَّهَا سَتَكُونُ سَبَب شَقَائِي وَبَلَائِي فَخَادَعَتْ نَفْسِي
عَنْهَا حِينًا أَكْذَبهَا مَرَّة وَأَصْدَقهَا أُخْرَى حَتَّى كَانَ مَا كَانَ مِنْ اِنْقِطَاعك عَنَى تِلْكَ
اَلْأَيَّام اَلثَّلَاثَة فَشَعَرَتْ لِغِيَابِك بِحُزْن قَلْبِيّ وأمضني وَمَلِك عَلِيّ جَمِيع عَوَاطِفِي
وَمَشَاعِرِي وَلَوْ شِئْت أَنْ أَقُول لَقُلْت إِنَّهُ أَبْكَانِي كَثِيرًا وأسهرني طَوِيلًا فَعَلِمَتْ
وأسفاه أَنَّنِي قَدْ أَصْبَحَتْ عَاشِقَة وَأَنْ هَذَا اَلَّذِي يَخْتَلِج فِي قَلْبِي وَيُقِيمنِي وَيُقْعِدنِي
إِنَّمَا هُوَ اَلْحُبّ وَالْغَرَام فَقَضَيْت لَيْلَة اَلْأَمْس كُلّهَا أُفَكِّر فِي طَرِيق اَلْخَلَاص مِنْ هَذِهِ
اَلنَّكْبَة اَلْعُظْمَى اَلَّتِي نَزَلَتْ بِي فَلَمْ أَجِد أَحَدًا يُخَلِّصنِي مِنْهَا سِوَاك فَأَنَا أَسْأَلك
يَا أَرْمَان بَاسِم اَلصَّدَاقَة وَالْوِدّ اَلَّذِي تَعَاقَدْنَا عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ بَلْ بِاسْم اَلدُّمُوع
اَلَّتِي طَالَمَا كُنْت تَسْكُبهَا رَحْمَة بِي وَإِشْفَاقًا عَلَيَّ أَنْ تَنْقَطِع عَنْ زِيَارَاتِي مُنْذُ
اَلْيَوْم وَأَنْ تُسَافِر إِلَى أَهْلك اَللَّيْلَة إِنْ اِسْتَطَعْت ثُمَّ لَا تُعَدّ إِلَى بُعْد ذَلِكَ فَأَحْمِل
نَفْسِي عَلَى اَلصَّبْر عَنْك حَتَّى يَمُنّ اَللَّه بِرَاحَة اَلْيَأْس مِنْك .
ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَيْهِ لِتَرَى مَا يَقُول فَإِذَا هُوَ جَامِد مُصْفَرّ كَأَنَّ وَجْهه وَجْه تِمْثَال مَنْحُوت
وَإِذَا عَيَّنَّاهُ شَاخِصَتَانِ إِلَيْهَا شُخُوص اَلْعَيْن اَلْقَائِمَة اَلَّتِي تَنْظُر إِلَى اَلشَّيْء وَلَا
تَرَاهُ وَبَعْد لِأَيّ مَا اِسْتَطَاعَ أَنْ يُحَرِّك شَفَتَيْهِ وَيَقُول لَهَا بِصَوْت خَافِت كَصَوْت اَلضَّمِير
وَمَا يُخْفِيك مِنْ اَلْحُبّ يَا مَرْغِرِيت قَالَتْ يُخْفِينِي مِنْهُ اَلْعِقَاب اَلْأَلِيم اَلَّذِي أَتَوَقَّع
أَنْ يُعَاقِبنِي بِهِ اَللَّه عَلَى مَا اِقْتَرَفَتْ مِنْ اَلذُّنُوب وَالْآثَام فِي فَاتِحَة حَيَاتِي فَقَدْ
كُتِبَ اَللَّه لَنَا مَعْشَر اَلنِّسَاء اَلسَّاقِطَات فِي لَوْح مَقَادِيره أَنْ لَا نَزَال نَعْبَث بِقُلُوب
اَلرِّجَال وَعُقُولهمْ وَنَبْتَلِيهِمْ بِصُنُوف اَلْعَذَاب وَأَنْوَاع اَلْآلَام حَتَّى يَغْضَب اَللَّه لَهُمْ
وَيَغَار عَلَيْهِمْ فَيَبْتَلِينَا بِحُبّ نَحْمِل فِيهِ اَلْعَذَاب جَمِيع مَا حَمَّلْنَاهُ مِنْ قَبْل وَنَشْقَى
فِيهِ شَقَاء لَا يَنْتَهِي إِلَّا بِانْتِهَاء حَيَاتنَا فَنَمُوت بَيْن يَدَيْ أَنْفُسنَا مُهْمَلَات
مُغَفَّلَات لَا يَنْعَانَا نَاعٍ وَلَا يُبْكِي عَلَيْنَا بِك فَهَذَا اَلَّذِي أَخَافهُ وَأَخْشَاهُ وَأُحِبّ أَنْ
يَسْبِق إِلَى أَجْلِي قَبْل أَنْ أَرَاهُ .
أَنَا لَا أَتَّهِمك بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْر يَا أَرْمَان فَأَنْتَ أَجْل مَنْ ذَلِكَ عِنْدِي وَلَكِنِّي أَعْلَم
أَنَّك بَاقٍ فِي هَذَا اَلْبَلَد إِلَى أَجَل فَإِذَا اِنْقَضَى اَلْأَجَل سَافَرَتْ إِلَى أَهْلك سَفَرًا لَا
تَمْلِك بَعْده اَلْعَوْدَة إِلَيَّ فَإِنَّ أَبَيْت إِلَّا اَلْبَقَاء بِجَانِبَيْ حَال أَهْلك بَيْنِي وَبَيْن ذَلِكَ
لِأَنَّهُمْ قَوْم شُرَفَاء يَضَنُّونَ بِك وَبِشَرَفِك أَنَّ تَلَوُّثهمَا اِمْرَأَة مُومِس بِعَارِهَا وشنارها
أَقِف مَوْقِف اَلْحَيْرَة وَاللَّوْعَة أَطْلُب اَلسَّبِيل إِلَيْك فَلَا أَجِدك والسلو عَنْك فَلَا
أَسْتَطِيعهُ وَرُبَّمَا حَاوَلَتْ بَعْد ذَلِكَ اَلْعَوْدَة إِلَى كَنَف ذَلِكَ اَلشَّيْخ اَلْكَرِيم اَلَّذِي أَحْسَنَ
إِلَيَّ إِحْسَانًا كَبِيرًا فَطَرَدَنِي مِنْ بَيْن يَدَيْهِ عِقَابًا لِي عَلَى خِيَانَة عَهْده وَكَفْر نِعْمَته
فَلَا أَجِد لِي بُدًّا مِنْ اَلرُّجُوع إِلَى حَيَاتِي اَلْأُولَى حَيَاة اَلشُّرُور وَالْآثَام وَالْهُمُوم
وَالْآلَام اَلَّتِي أَبْغَضْتهَا بُغْض اَلْأَرْض لِلدَّمِ وَهُنَالِكَ اَلْعَذَاب اَلدَّائِم وَالشَّقَاء
وَالطَّوِيل .
أَنِّي أَعْلَم يَا أَرْمَان أَنَّك تُحِبّنِي حُبًّا جَمًّا وَأَنَّك سَتُكَابِدُ فِي اِبْتِعَادك عَنِّي عَذَابًا
كَثِيرًا وَلَكِنِّي أَعْلَم أَنَّ قَلْبًا طَرِيفًا يَحْتَمِل اَلْعَذَاب فِي سَبِيل اَلرَّحْمَة فَاحْتَمَلَ هَذَا
اَلْعَذَاب مِنْ أَجْلِي فَإِنَّك أَقْدَر مِنِّي عَلَى اِحْتِمَال اَلْآلَام وَالْأَوْجَاع وَسَأُعَوِّدُ اَللَّه
تَعَالَى لَيْلِي وَنَهَارِي أَنْ يَمْنَحنِي اَلصَّبْر عَنْك وَيَرْزُقنِي رَاحَة اَلنَّفْس وَسُكُونهَا مِنْ
بَعْدك وَأَنْ يَمْنَحك مِنْ ذَلِكَ مِثْل مَا يَمْنَحنِي فَلَعَلَّهُ يَرْحَمنَا جَمِيعًا .
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَاب عَلَى كَلِمَتهَا هَذِهِ سِوَى أَنْ نَهَضَ مِنْ مَكَانه متضعضعا مُتَهَالِكًا
وَمَشَى إِلَى بَاب اَلْقَاعَة يَسُوق نَفْسه سُوقًا حَتَّى بَلَّغَهُ فَوَقَفَ عَلَى عَتَبَته وَالْتَفَتَ إِلَى
مَرْغِرِيت وَأَلْقِي عَلَيْهَا تِلْكَ اَلنَّظْرَة اَلَّتِي يُلْقِيهَا اَلْمُحْتَضِر عَلَى أَهْله فِي آخِر
لَحَظَات حَيَاته وَقَالَ لَهَا اَلْوَدَاع يَا مَرْغِرِيت وَمَضَى فَمَا غَابَ شَخْصه عَنْ عَيْنَيْهَا حَتَّى
نَهَضَتْ مِنْ فِرَاشهَا هَائِمَة مختبلة وَانْدَفَعَتْ إِلَى اَلْبَاب تُرِيد اَللَّحَاق بِهِ ثُمَّ تَرَاجَعَتْ
ثُمَّ حَاوَلَتْ ذَلِكَ مَرَّة أُخْرَى فَأَدْرَكَهَا شَدِيدًا وَتَدُور فِي أَنْحَاء اَلْغُرْفَة دَوَرَان
الثاكلة المفجوعة وَهِيَ تَصِيح أَرْجَعُوهُ إِلَيَّ لَا أَسْتَطِيع فِرَاقه سَأَمُوتُ مِنْ بَعْده
وَإِنَّهَا لكذلك إِذَا سَمِعَتْ صَرْخَة عُظْمَى آتِيَة مِنْ نَاحِيَة اَلْحَدِيقَة فَخَرَجَتْ تَعْدُو إِلَى
حَيْثُ سَمِعَتْ اَلصَّوْت حَتَّى بَلَغَتْ بَاب اَلْمَنْزِل فَرَأَتْ أَرْمَان سَاقِطًا تَحْت عَتَبَته مَغْشِيًّا
عَلَيْهِ فَرَفَعَتْ طَرَفهَا إِلَى اَلسَّمَاء وَقَالَتْ لِيَكُنْ مَا أَرَادَ اَللَّه ثُمَّ أَلْقَتْ نَفْسهَا عَلَيْهِ
وَلَثَمَتْ ثَغْره لثمة هِيَ أَوَّل لثمة ذَاقَتْ فِيهَا لَذَّة اَلْعَيْش فِي حَيَاتهَا فَشَعَرَ بِهَا
أَرْمَان فاستفاق وَضَمَّهَا إِلَى صَدْره ضَمَّة لَوْ مَاتَ عَلَى اثرها مَا بَكَى عَلَى شَيْء مِنْ
نَعِيم اَلدُّنْيَا وَهَنَائِهَا .
اِنْقَضَى اَلشِّتَاء فَانْقَضَى بِانْقِضَائِهِ شَقَاء مَرْغِرِيت وَعَنَاؤُهَا فَقَدْ أَبْلَتْ مِنْ مَرَضهَا
وَأَصْبَحَتْ سَعِيدَة بِحُبِّهَا فَلَمْ يَبْقَ بَيْن يَدَيْهَا إِلَّا أَنْ تَبْلُغ مِنْ تِلْكَ اَلسَّعَادَة
نِهَايَتهَا فَاقْتَرَحَتْ عَلَى أَرْمَان أَنْ يَتْرُكَا بَارِيس وَضَوْضَاءَهَا وَمُزْدَحِم اَلْحَيَاة فِيهَا
إِلَى مَصِيف يَخْتَارَانِهِ لِنَفْسِهِمَا فِي بَعْض اَلْأَمَاكِن اَلْخَالِيَة فَقَبْل مُقْتَرَحهَا وَسَافَرَا
مَعًا يُفَتِّشَانِ عَنْ اَلْمَكَان اَلَّذِي يُرِيدَانِ حَتَّى بَلَغَا قَرْيَة وَهِيَ ضَاحِيَة مِنْ ضَوَاحِي
بَارِيس عَلَى بُعْد سَاعَتَيْنِ مِنْهَا فَوَجَدَا فِي بَعْض أرباضها مَنْزِلًا صَغِيرًا مُنْفَرِدًا
وَاقِعًا عَلَى رَأْس هَضْبَة عَالِيَة فِي سَفْح جَبَل مُخْضَرّ تَجْرِي مِنْ تَحْته بُحَيْرَة صَافِيَة
بَدِيعَة كَأَنَّمَا بِنَاهٍ بَانِيه لَهُمَا فَاشْتَرَيَاهُ وَنَقَلَتْ مَرْغِرِيت إِلَيْهِ مِنْ مَنْزِلهَا فِي
بَارِيس بَعْض مَا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ مِنْ أَثَاث وَمَتَاع ثُمَّ عَاشَا فِيهِ بَعْد ذَلِكَ عَيْشًا نَاعِمًا
هَنِيئًا لَا تَضْطَرِب فِي سَمَائِهِ غَيْمَة وَلَا تَمْر بِصَفْحَتِهِ غَبَرَة وَلَا يُكَدِّر عَلَيْهِمَا مُكَدَّر
مِنْ خَوَاطِر اَلشَّقَاء وَوَسَاوِسه فَكَانَا يَقْضِيَانِ نَهَارهمَا صَاعِدِينَ إِلَى قِمَّة اَلْجَبَل أَوْ
مُنْحَدَرَيْنِ إِلَى سَفْحه أَوْ رَاكِبِينَ زَوْرَقًا صَغِيرًا يَسْبَح بِهِمَا عَلَى صَفْحَة اَلْبُحَيْرَة
جِيئَة وذهوبا أَوْ جَالِسِينَ تَحْت شَجَرَة فرعاء تُظَلِّلهَا مِنْ لَفَحَات الهجير وَتَضُمّهُمَا
إِلَيْهَا كَمَا تَضُمّ ثِمَارهَا أَوْ مُضْطَجَعَيْنِ عَلَى بِسَاط مِنْ اَلْعُشْب اَلْمُمْتَدّ فِي تَلُمّك
اَلْبَطْحَاء اَلْفَسِيحَة يَتَنَاجَيَانِ وَيَلْهُوَانِ بِمَنْظَر اَلْجَمَال اَلْمَائِل فِي اَلشَّاطِئ
وَالْأَمْوَاج وَالْأَخَادِيد وَالْوُدْيَان وَالْغَابَات وَالْحُجُرَات وَالْكُهُوف وَالْأَغْوَار وَالْغُيُوم
وَالسُّحُب وَالْأَضْوَاء فِي تَشَكُّلهَا وَتَلَوُّنهَا وَالظِّلَال فِي نُحُولهَا وَانْتِقَالهَا وَفِي رُءُوس
اَلْجِبَال اَللَّاصِقَة بِجِلْدَة اَلسَّمَاء كَأَنَّهَا بَعْض سَحْبهَا وَفِي قِطَع اَلصُّخُور اَلْمُبَعْثَرَة
عَلَى جَوَانِب الغدران كَأَنَّهَا بَعْض أَمْوَاجهَا وَفِي تِلْكَ اَلْمَعْرَكَة اَلَّتِي تَدُور فِي كُلّ
يَوْم مَرَّتَيْنِ بَيْن ج - يَشِي اَلْأَنْوَار وَالظُّلُمَات فَيَنْتَصِر فِي صَدْر اَلنَّهَار فِي كُلّ يَوْم
مَرَّتَيْنِ بَيْن جَيْشَيْ اَلْأَنْوَار وَالظُّلُمَات فَيَنْتَصِر فِي صَدْر اَلنَّهَار أَوَّلهمَا ثُمَّ يدال فِي
آخِره لِثَانِيهمَا حَتَّى إِذَا جَاءَ اَللَّيْل عَادَا إِلَى مَنْزِلهمَا فَنَعِمَتَا فِيهِ بِأَلْوَان
اَلنَّعِيم وَضُرُوبه وَرَشَفَا مِنْ كُلّ ثَغْر مِنْ ثُغُور اَلسَّعَادَة رَشْفَة تَسْرِي حَلَاوَتهَا فِي
قَلْبهمَا حَتَّى تُصِيب صَمِيمه مُرْ بِهِمَا عَلَّ ذَلِكَ عَام كَامِل هُوَ كُلّ مَا اِسْتَطَاعَا أَنْ
يَخْتَلِسَاهُ مِنْ يَد اَلدَّهْر فِي غَفْلَته ثُمَّ اِنْتَبَهَ لَهُمَا بَعْد ذَلِكَ وَوَيْل لِلسُّعَدَاءِ مِنْ
اِنْتِبَاهه بَعْد إغفائه فَقَدْ نَضَبَ أَوْ أَوْشَكَ أَنْ يَنْصَبّ مَا كَانَ فِي يَد أَرْمَان مِنْ اَلْمَال
وَكَانَ فِي يَده اَلْكَثِير مِنْهُ فَكُتُب إِلَى أَبِيهِ يَطْلُب إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَث إِلَيْهِ بِمَا يَسْتَعِين
عَلَى اَلْبَقَاء فِي بَارِيس مُدَّة أُخْرَى زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يَزَال مَرِيضًا مُتَأَلِّمًا لَا
يَسْتَطِيع اَلسَّفَر وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَل مِنْ حِين إِلَى حِين فَلَمْ يَأْتِهِ اَلرَّدّ فَأُقْلِقهُ ذَلِكَ
قَلَقًا شَدِيدًا وَظَلَّ يَخْتَلِف إِلَى اَلْمَدِينَة فِي كُلّ يَوْم يَسْأَل فِي فُنْدُق تورين اَلَّذِي
كَانَ يَنْزِل بِهِ قَبْل اِتِّصَاله بِمَرْغِرِيت عَنْ اَلْكِتَاب اَلَّذِي يَنْتَظِرهُ فَلَا يَجِدهُ فَيَعُود
حرينا مُنْقَبِضًا حَتَّى إِذَا وَصَّلَ إِلَى بوجيفال وَرَأَى مَرْغِرِيت بَيْن يَدَيْهِ تُطْلِق وَتَبَسَّمَ
كَأَنَّهُ لَا يُضْمِر فِي نَفْسه هُمَا قَاتِلًا وَلَكِنْ عَيْن مَرْغِرِيت أَقْدَر مِنْ أَنْ يُعْجِزهَا
اَلنَّفَاذ إِلَى أَعْمَاق قَلْبه فَانْتَهَكَتْ سِرّه فَكَاشَفَتْهُ بِهِ وَقَالَتْ لَا يُحْزِنك شَأْن اَلْمَال
يَا أَرْمَان فَإِنَّ عِنْدِي مِنْهُ مَا يَكْفِينَا اَلْعَيْش مَعًا سِنِينَ طِوَالًا وَلَمْ تَكُنْ صَادِقَة
فِيمَا تَقُول لِأَنَّ اَلدُّوق قَاطَعَهَا وَمَنَعَ عَنْهَا رفده مُنْذُ عُرْف قِصَّتهَا فِيمَا تَقُول لِأَنَّ
اَلدُّوق قَاطَعَهَا وَمَنَعَ عَنْهَا رفده مُنْذُ وَعِلْم أَنَّهَا خَانَتْهُ وَخَانَتْ بَعْده بَلْ كَانَتْ
مَدَنِيَّة بِمَال كَثِير لِبَعْض تُجَّار اَلْجَوَاهِر وَالثِّيَاب بَلْ أَصْبَحَ دَائِنُوهَا يَتَقَاضَوْنَهَا
دُيُونهمْ بَعْد مَا عَلِمُوا أَنَّ اَلدُّوق قَاطَعَهَا وَنَفَضَ يَده مِنْهَا وَلَكِنَّهَا خَاطَرَتْ بِكَلِمَتِهَا
مُخَاطَرَة لَمْ تُفَكِّر فِي عَاقِبَتهَا فَأَكْبَر أَرْمَان ذَلِكَ وَأَعْظَمه وَأَنْف مِنْهُ أَنَفَة شَدِيدَة
وَأَبِي أَنْ يَعِيش مَعَهَا بِمَال غَيْر مَاله وَعَزَمَ أَنْ يُسَافِر إِلَى نيس لِيَأْتِيَ مِنْهَا
بِالْمَالِ اَلَّذِي يُرِيدهُ فَأَزْعَجَهَا عَزْمه هَذَا إِزْعَاجًا شَدِيدًا وَخَافِت عَاقِبَته فَجَثَتْ بَيْن
يَدَيْهِ تَسْتَعْطِفهُ وَتَسْتَرْحِمهُ وَتَبْذُل فِي ضَرَاعَتهَا وَرَجَائِهَا فِي سَبِيل بَقَائِهِ أَكْثَر مِمَّا
بَذَلَتْ قَبْل اَلْيَوْم فِي سَبِيل رَحِيله حَتَّى أَذْعَنَ واستقاد وَرَضِيَ بِاَلَّتِي لَمْ يَكُنْ يَرْضَى
بِمِثْلِهَا لَوْلَا لَهْفَة اَلْحُبّ وَضَرَاعَة اَلدُّمُوع وَقَدْ أَضْمَرَ فِي نَفْسه أَنْ يَتَنَازَل لَهَا عَنْ
نَصِيبه فِي اَلْمِيرَاث اَلَّذِي وَرِثَهُ مِنْ أُمّه مُكَافَأَة لَهَا وَوَفَاء بِحَقِّهَا فَلَمْ يَكُنْ
لِمَرْغِرِيت بَعْد ذَلِكَ بُدّ مِنْ أَنْ تَمُدّ يَدهَا إِلَى جَوَاهِرهَا وَذَخَائِرهَا فَأَنْشَأَتْ تَبِيع
اَلْقِطْعَة بَعْد اَلْقِطْعَة لِتَسُدّ بَعْض دَيْنهَا وَتَقُوم بِنَفَقَة بَيْتهَا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَم
أَرْمَان وَاسْتِمْرَار عَلَى ذَلِكَ بِضْعَة أَشْهُر حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمَا فِي يَوْم مِنْ اَلْأَيَّام فِي
سَاعَات أُنْسهمَا وَصَفَائِهِمَا خَادِم فُنْدُق تورين اَلَّذِي كَانَ يَنْزِل بِهِ أَرْكَان فِي بَارِيس
وَقَالَ لَهُ إِنَّ وَالِده قَدْ وَصَّلَ اَلسَّاعَة إِلَى اَلْفُنْدُق وَإِنَّهُ يَنْتَظِرهُ هُنَاكَ قَالَ دوفال
لِوَلَدِهِ لَقَدْ كَذَبَتْ عَلَيَّ كَثِيرًا يَا أَرْمَان وكا كُنْت قَبْل اَلْيَوْم كَذَّابًا وَلَا خَادِعًا
وَرَضِيَتْ لِنَفْسِك بِحَيَاة كُنْت أَضَنّ اَلنَّاس بِنَفْسِك عَلَى مِثْلهَا مِنْ قَبْل وَمَزَّقَتْ بِيَدِك ذَلِكَ
اَلْقِنَاع اَلْجَمِيل مِنْ اَلْحَيَاء اَلَّذِي لَا يَزَال مُسْبِلًا عَلَى وَجْهك وَأَصْبَحَتْ تَبْذُل فِي
اَلْعَيْش مَعَ اِمْرَأَة عَاهِرَة كُلّ مَا لَهَا مِنْ اَلشَّأْن عِنْد نَفْسهَا .
وَعِنْد اَلنَّاس جَمِيعًا أَنَّهَا نُفَايَة اَلرِّجَال وَفَضْلَة مِنْ فَضَلَات اَلْفُسَّاق وَفُتَات
اَلْمَائِدَة اَلْعَامَّة اَلَّتِي يَجْلِس عَلَيْهَا اَلنَّاس جَمِيعًا صَبَاحهمْ وَمَسَاءَهُمْ فَحَسِبَك هَذَا
وَقُمْ اَلسَّاعَة لِتُعِدّ نَفْسك لِلسَّفَرِ مَعِي إِلَى نيس فَلَسْت بتاركك بَعْد اَلْيَوْم فِي هَذَا
اَلْبَلَد سَاعَة وَاحِدَة .
فَرَفَعَ أَرْمَان رَأَسَهُ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ لَهُ بِصَوْت هَادِئ مُطَمْئِن .
فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبَوْهُ نَظْرَة شزراء وَقَالَ لَهُ وَتِلْكَ سَيِّئَة أُخْرَى فَقَدْ أَصْبَحَتْ لَا تَعْبَأ بِي
وَلَا تُبَالِي بِمُخَالَفَة أَمْرِي مِنْ أَجْل اِمْرَأَة سَاقِطَة لَا شَأْن لَهَا مَعَك إِلَّا أَنْ تَعْبَث
بِعَقْلِك وَتَسْلُبك مَالِك وَشَرَفك وتفسيد عَلَيْك حَاضِرك وَمُسْتَقْبَلك .
قَالَ لَا يَا أَبَتَاهُ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَابِثَة وَلَا خَادِعَة وَلَكِنَّهَا تُحِبّنِي حُبًّا لَمْ يُحِبّهُ
أَحَد مِنْ قَبْلهَا أَحَدًا وَأَحْسَب أَنِّي أَنْ فَارَقْتهَا قَتَلَتهَا وَجَنَيْت عَلَيْهَا جِنَايَة لَا
يُفَارِقنِي اَلنَّدَم عَلَيْهَا حَتَّى اَلْمَوْت .
قَالَ ذَلِكَ مَا يَخْدَع بِهِ أَمْثَالهَا أَمْثَالك فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ اَلْعَاهِرَات قُلُوب يُحْبِبْنَ بِهَا
بَلْ لَهُنَّ أَلْسُن يَخْتَلْنَ بِهَا اَلرِّجَال ويسلبنها حَجْبًا بَيْن بَعْضهمْ وَبَعْض حَتَّى يَظُنّ كُلّ
وَاحِد مِنْهُمْ أَنَّهُ اَلْأَثِير عِنْدهَا وَصَاحِب اَلْحُظْوَة لَدَيْهَا مِنْ دُون أَصْحَابه جَمِيعًا .
قَالَ رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنهَا قَبْل اَلْيَوْم أَمَّا اَلْيَوْم فَهِيَ لَا تُحِبّ أَحَدًا غَيْرِي بَلْ لَا
تَعْرِف أَحَدًا سِوَايَ فَهِيَ تَعِيش عِيشَة تُشْبِه عِيشَة النشاء اَلشَّرِيفَات بَلْ اشرف مِنْ عِيشَة
اَلْكَثِيرَات مِنْهُنَّ لِأَنَّ اَلْخَلِيلَة اَلَّتِي تُخَلِّص لِخَلِيلِهَا أَشْرَف مِنْ اَلزَّوْجَة اَلَّتِي تَخُون
زَوْجهَا وَأَخْشَى إِنْ فَارَقَتْهَا أَنْ تَثُور فِي نَفْسهَا ثَوْرَة مِنْ ثَوْرَات اَلْيَأْس فَتَرُدّهَا إِلَى
تِلْكَ اَلْحَيَاة اَلْأُولَى حَيَاة اَلشَّرّ وَالْفَسَاد وَالشَّقَاء .
وَالْعَذَاب بَعْد مَا استنقذت نَفْسهَا .
قَالَ وَهَلْ تَرَى أَنَّ وَظِيفَة اَلرَّجُل اَلشَّرِيف فِي هَذِهِ اَلْحَيَاة إِصْلَاح اَلنِّسَاء اَلْفَاسِدَات
?
قَالَ ذَلِكَ خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ تَكُون وَظِيفَته إِفْسَادهنَّ فَإِنَّ اَلْأَشْرَاف فِي هَذَا اَلْعَصْر
يَفْخَرُونَ بِإِفْسَاد اَلنِّسَاء اَلصَّالِحَات وَاسْتِدْرَاجهنَّ إِلَى مُوَاطِن اَلْفِسْق وَالْفُجُور
وَإِصْلَاح اَلْمَرْأَة اَلْفَاسِدَة أَدْنَى إِلَى اَلشَّرَف مِنْ إِفْسَاد اَلْمَرْأَة اَلصَّالِحَة .
قَالَ لَقَدْ أَصْبَحَتْ كَثِير اَلرَّحْمَة يَا أَرْمَان .
قَالَ لِمَ لَا أَرْحَم فَتَاة مَرِيضَة مِسْكِينَة لَيْسَ لَهَا فِي اَلنَّاس مَنْ يَعُولهَا مِنْ ذِي
قُرَابَة أَوْ ذِي رَحِم وَقَدْ نَزَلَ دَاؤُهَا مِنْ صَدْرهَا مَنْزِلَة لَا يَبْرَحهَا وَلَا يَتَحَلَّل عَنْهَا
إِلَّا أَنْ يَهْدَأ عَنْهَا حِينًا وَيَسْتَيْقِظ أَحْيَانًا فَهِيَ تُكَابِد اَلْأَلَم مَرَّة وَالْخَوْف مِنْ
اَلْأَلَم أُخْرَى وَلَا عَزَاء لَهَا فِي حَالَتَيْهَا إِلَّا هَذِهِ اَلسَّعَادَة اَلَّتِي تَتَوَهَّمهَا فِي
اَلْحُبّ وَتَرَى أَنَّهَا نَاعِمَة بِهَا فَإِنْ فَقَدَتْهَا فَقَدَتْ كُلّ شَيْء فِي اَلْحَيَاة وَعَظْم حُزْنهَا
وَبُؤْسهَا وَثَقُلَتْ وَطْأَة اَلدَّاء عَلَيْهَا حَتَّى كَادَتْ تَأْتِي عَلَى اَلْبَقِيَّة اَلْبَاقِيَة مِنْ
حَيَاتهَا فَدَعْنِي مَعَهَا يَا أَبَتَاهُ عَامًا آخَر أَوْ عَامَيْنِ أَهْوَن عَلَيْهَا فِيهِمَا شَقَاءَهَا
فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ آخَر مَا قَدَّرَ لَهَا أَنْ تَقْضِيه مِنْ أَيَّامهَا فِي هَذَا اَلْعَالَم ثُمَّ أَعُود
بَعْد ذَلِكَ إِلَيْك هَادِئ اَلْقَلْب سَاكِن اَلضَّمِير رَاضِيًا عَنْ نَفْسِي وَعَنْ عَمَلِي أُبْكِيهَا
بِدُمُوع اَلْحُزْن لَا بِدُمُوع اَلنَّدَم وَيُهَوِّن وَجَدِّي عَلَيْهَا كُلَّمَا ذَكَّرَتْهَا أَنَّنِي لَمْ أَخُنْهَا
وَلَمْ أَغْدِر بِعَهْدِهَا .
فَاطْرُقْ دوفال هُنَيْهَة كَأَنَّمَا يُعَالِج فِي نَفْسه هُمَا معتلجا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه وَنَظَرَ إِلَى
وَلَده نَظْرَة تُشْبِه نَظْرَة اَلْعَطْف وَالرَّحْمَة وَقَالَ .
لَهُ لَا أَسْتَطِيع أَنْ أُسَافِر بِدُونِك يَا بَنِي فَحَسْبِي مَا كَابَدَتْ مِنْ اَلْأَلَم لِفِرَاقِك قَبْل
اَلْيَوْم وَقَدْ تَرَكَتْ أُخْتك وَرَائِي تَنْدُبك وَتَبْكِي عَلَيْك صَبَاحهَا وَمَسَاءَهَا وَتَحِنّ إِلَى
لِقَائِك حَنِين اَلظَّامِئ إِلَى اَلْوُرُود وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيع مَا تَعْتَذِر بِهِ عَنْ نَفْسك فِي هَذَا
اَلشَّأْن لَا يُغْنِي عَنْك وَلَا عَنِّي شَيْئًا يَوْم يَقُول اَلنَّاس كَلِمَتهمْ اَلَّتِي لَا بُدّ أَنْ
يَقُولهَا غَدًا تاليراند يَعِيش كَثِير مِنْهُمْ قَبْل اَلْيَوْم إِنَّ أَرْمَان دوفال سُلَالَة آل
تاليراند يَعِيش مَعَ اِمْرَأَة مُومِس فِي بَيْت وَاحِد فَعَدّ إِلَى نَفْسك يَا بَنِي وَاسْتَلْهَمَ
اَللَّه اَلرُّشْد يُلْهِمك وَلَا تَجْعَل لِهَوَاك سَبِيلًا عَلَى عَقْلك وَدَّعَ هَذِهِ اَلْحَيَاة اَلسَّاقِطَة
اَلَّتِي يحياها مَنْ لَيْسَتْ لَهُ هِمَّة مِثْل هِمَّتك وَلَا مُجْدٍ وَلَا بَيْت مِثْل مَجْدك وَبَيْتك
وَإِنِّي تاركك اَلْآن وَحْدك وَذَاهِب عَنْك لِبَعْض شَأْنِي لِتَخْلُوَ بِنَفْسِك سَاعَة تَسْتَرِدّ فِيهَا
مَا عَرَّبَ عَنْك مِنْ صَوَابك ثُمَّ أُعَوِّد إِلَيْك بَعْد قَلِيل لِأَسْمَع مِنْك اَلْكَلِمَة اَلَّتِي أَرْجُو
أَنْ تَكُون شِفَاء نَفْسِي ورواء غَلَّتِي .
ثُمَّ تَرَكَهُ وَنَزَلَ فَمَشَى إِلَى قَهْوَة قَرِيبَة مِنْ اَلْفُنْدُق فَكَتَبَ فِيهَا لِبَعْض اَلنَّاس كِتَابًا
خَاصًّا ثُمَّ طَافَ بِبَعْض أَصْدِقَائِهِ اَلَّذِينَ يَعْرِفهُمْ فِي بَارِيس فَزَارَهُمْ زِيَارَة طَوِيلَة فَلَمْ
يَعُدْ إِلَى اَلْفُنْدُق حَتَّى أَظَلّ اَللَّيْل فَرَأَى أَرْمَان لَا يَزَال فِي مَكَانه فَسَأَلَهُ مَاذَا
رَأَى فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَّا بِدُمُوعِهِ تَنْحَدِر عَلَى خَدَّيْهِ تحدر اَلْقُطْر عَلَى أَوْرَاق اَلزَّهْر وَجَثَا
بَيْن يَدَيْهِ يَسْتَعْطِفهُ وَيَسْتَرْحِمهُ وَيَكْشِف لَهُ مِنْ خبيئة نَفْسه مَا كَانَ يَكْتُمهُ مِنْ قَبْل
يَقُول وَاَللَّه يَا أَبَت لَوْ عَلِمَتْ أَنِّي أَسْتَطِيع اَلْحَيَاة بِدُونِهَا لفارقتها بِرًّا بِك
وَإِيثَارًا لِطَاعَتِك وَلَكِنِّي أَعْلَم أَنِّي إِنْ فَعَلْت فَقَدْ وَضَعَتْ أَمْرِي فِي مَوْضِع الغرر
وَخَاطَرَتْ بِعَقْلِيّ أَوْ بِحَيَاتِي مُخَاطَرَة لَا أَعْلَم مَاذَا يَكُون خظي فِيهَا وَلَا أَحْسَبهُ إِلَّا
أَسْوَأ الحظين وَأَنْحَس اَلنَّجْمَيْنِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ قَبْلِي اِسْتَطَاعَ أَنْ يَدْفَع هَوَاهُ عَنْ
قَلْبه أَوْ يَمْحُو مَا قُدِّرَ لَهُ فِي صَحِيفَة قَضَائِهِ مِنْ شَقَاء اَلْحُبّ وَبَلَائِهِ لَسَلَكَتْ سَبِيله
اَلَّتِي سَلَكَهَا وَلَكِنَّهُ بَلَاء بَلِيَتْ بِهِ اَلْحِين أُرِيد لِي فَلَا رَأْي لِي فِي رَدّه وَلَا حِيلَة
لِي فِي اِتِّقَائِهِ وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْفَتَاة مِنْ نَفْسَيْ مَنْزِلَة هِيَ اَلْحَيَاة مِنْ اَلْجِسْم
وَالْغَيْث مِنْ اَلتُّرْبَة اَلْقَاحِلَة فَإِنْ كُنْت لَابُدَّ آخِذِي فَخُذْ مَعَك جِسْمًا هَامِدًا لَا حَرَاك
بِهِ وَنَبْتَة ذاوية لَا حَيَاة فِيهَا فَوَضَعَ أَبُوهُ يَده عَلَى عَاتِقه وَقَالَ لَهُ اَلْآن يَا
بَنِي وَاذْهَبْ لِشَأْنِك وَعْد إِلَى صَبَاح اَلْغَد لِأُتَمِّم حَدِيثِي مَعَك وَأَرْجُو أَنْ تَكُون فِي غَدك
خَيْرًا مِنْك فِي أَمْسك فَخَرَجَ مَحْزُونًا مُكْتَئِبًا يَمْشِي مِشْيَة الذاهل اَلْمَشْدُوه لَا يُرَى
مَا أَمَامه وَلَا يشغر بِمَا حَوْله حَتَّى رَأَى عَرَبَة فَرَكِبَهَا إِلَى بوجيفال حَتَّى بَلَغَهَا
بَعْد هَدْأَة مِنْ اَللَّيْل فَلَمْ يَرَ مَرْغِرِيت فِي شُرْفَة اَلْبَيْت تَنْتَظِرهُ كَعَادَتِهَا فَدَخَلَ
عَلَيْهَا غُرْفَتهَا فَرَآهَا مكبة عَلَى مِنْضَدَة بَيْن يَدَيْهَا كَأَنَّمَا هِيَ نَائِمَة أَوْ ذاهلة
فَشَعَرَتْ بِهِ عِنْد دُخُوله فَنَهَضَتْ مَذْعُورَة مُتَلَهِّفَة فَخُيِّلَ إِلَيْهِ عِنْد نُهُوضهَا أَنَّهُ لَمَحَ فِي
يَدهَا رِسَالَة تَضُمّ عَلَيْهَا أَصَابِعهَا فَظَنَّهَا بَعْض تِلْكَ اَلرَّسَائِل اَلَّتِي كَانَ يُرْسِلهَا
إِلَيْهَا المركيز جَانّ فِيلِيب مِنْ حِين إِلَى حِين وَهُوَ فَتَى مِنْ أَبْنَاء اَلْأَشْرَاف
اَلْأَثْرِيَاء كَانَ يُحِبّهَا فِي عَهْدهَا اَلْأَوَّل حُبًّا شَدِيدًا وَيُنْفِق عَلَيْهَا أَمْوَالًا طَائِلَة
فَلَمَّا اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ لَمْ يَنْقَطِع مِنْهَا أَمَله فَظَلَّ يُرْسِل إِلَيْهَا رَسَائِل كَثِيرَة يَعْرِض
فِيهَا حُبّه وَمَاله وَيُمَنِّيهَا اَلْأَمَانِي اَلْحِسَان فِي عَوْدَتهَا إِلَيْهِ وَاتِّصَال حَيَاتهَا
بِحَيَاتِهِ فَكَانَتْ تُمَزِّقهَا عِنْد اِطِّلَاعهَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى عُنْوَانهَا فَلَمْ يَحْفُل أَرْمَان
بِذَلِكَ وَمَشَى إِلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَالَتْ لَهُ مَاذَا جَرَى يَا أَرْمَان قَالَ أَرَادَنِي أَبِي عَلَى
اَلسَّفَر مَعَهُ فَأَبَيْت وَبَكَيْت بَيْن يَدَيْهِ كَثِيرًا فَلَمْ أَنَلْ مِنْهُ مَنَالًا وَقَدْ أَمَرَنِي
بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِ غَدًا وَلَا أُرِيد أَنْ أَفْعَل لِأَنِّي لَا أُحِبّ حَظِّي مِنْهُ فِي اَلْغَد خَيْرًا
مِنْهُ اَلْيَوْم وَقَدْ أَصْبَحَتْ نَفْسِي تُحَدِّثنِي بِعِصْيَانِهِ وَالْبَقَاء هُنَا عَلَى اَلرَّغْم مِنْهُ لِأَنِّي
أَعْلَم أَنِّي قَدْ تَجَاوَزْت اَلسِّنّ اَلَّتِي تَحْتَاج فِيهَا اَلْأَبْنَاء إِلَى إِرْشَاد اَلْآبَاء وَلِأَنِّي
لَا أَعْرِف أَحَدًا بَيْن اَلنَّاس يَسْتَطِيع أَنْ يَرْسُم لِي خُطَّة سَعَادَتِي كَمَا اُرْسُمْهَا لِنَفْسِي
ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُصّ عَلَيْهَا قِصَّته مَعَ أَبِيهِ حَتَّى أَتَمَّهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ مِطْرَقَة
صَامِتَة وَإِذَا وَجَّهَهَا أَصْفَر مربد كَأَنَّمَا قَدْ نَفَضَ اَلْمَوْت عَلَيْهِ غُبَاره فَقَالَ مَا بَالك
يَا مَرْغِرِيت .
وهم يتبع ... ^ـــ^